"كان يشعر بتوتر وضغط عظيمين ، وظيفته الجديدة منحته المزيد من الأعباء والقليل من الراحة ، ما هي إلا بضع ساعات تلك التي ينعم بها في بيته ، لكن حتى هناك لا يجد النوم طريقا مختصرا لجفونه المثقلة ، قام إلى مكتبته الموسيقية وانتقى إسطوانة كتب عليها
"العاصفة"
"بيتر أليتش تشايكوفسكي" ،
وضعها في مشغل الموسيقى في محاولة أخيرة للإسترخاء وأغلق عينيه عنوة وبدأ يتأمل ،
بدأت المقطوعة بآلات وترية متناغمة ناعمة وشعر بالخدر يتسلل إلى أوصاله حتى بدأت ضربات النفير وصوت آلات نحاسية تتداخل حتى لتشعر أنك وسط معركة ولست في فراشك تسمع موسيقى كلاسيكية ، وكأن الإسم غير موحي قرر أنه لم يحسن الإختيار وللحظة شعر أن تلك المعركة تشبه ماهو فيه من معارك ، وتسائل في بلاهه : لماذا قررت أن تحارب كل القبائل في آن واحد كالعاصفة ،في هذه اللحظة كانت المقطوعة بلغت الذروة ، ذروة المنحنى وهي تلك اللحظة التي ترى فيها قائد الأوركسترا موشك على الجنون أو الإنتحار من فرط الإنفعال ، تماما كما هو واقعه فقط يمكنه في هذه الحالة أن يضغط زر واحد فينهي معاناة أوركسترا كامل .
ود لو أن هناك زر مماثل في الحياة ، أو في حياته هو على الأقل ."
هذا كان مسؤل ما من دولة ما قرر أن يزيل الضغط والتوتر بما لا يخالف شرع الله .
* * * * * * *
أنتم هنا
عذرا ،فاتني أن أرحب بكم
لكن هل مر الأسبوع بهذه السرعة ، أشعر بأن كتابة المقالات الدورية تجعل العمر يمر سريعا ، لذا يهرم اصحاب الأعمدة المنتظمة أسرع من أقرانهم .
رجاءا أخفضوا أصواتكم ، هناك مسؤل كبير نام بصعوبة .
* * * * * * *
مواطن بسيط كان يركب دراجة نارية قديمة لا تحمل لوحات معدنية فوجئ بأنه مقبل على كمين شرطة وفي لحظة إنعدام التفكير التي يمر بها الجميع قرر أن الإقتحام سيد الأخلاق وهو مالم يعجب أمين الشرطة الذي شعر بالإهانة وقرر مطاردته على الفور ، ماحدث بعد ذلك جدير بكتب التنمية البشرية بل أن ديل كارنيجي نفسه لم يكن يتصرف أو يفكر بهذه الطريقة ،
إتفقنا أنه رجل بسيط لم يقرأ كتاب إدارة الضغوط الذي أضاع أسبوعين من وقتي بلا أدنى إستفادة ولم يتخذ قراره وهو مستلقي في بيته يستمع لموتسارت وبالطبع لم يشاهد هذا المشهد من قبل ، المعطيات تقول أن هناك أمين شرطة غاضبب يوشك على الحاق به وهو مايعني مصادرة الدراجة ولن يراها مرة ثانية بالإضافة إلى قضية إقتحام كمين شرطة وقيادة مركبة بدون ترخيص وهو مايعني حبسه لحين عرضه على النيابة التي ستخلي سبيله بكفالة وتحال القضية لقاضي الجنح الذي سيحكم بغرامة مالية . لا أظن أن هذا السيناريو الذي كتبته أنا في حوالي دقيقتين قد مر في ذهن الرجل في العشر ثواني التي أدرك فيها حجم الخطر المحدق به وإتخذ قرارا حكيما جدا ،
كانت المطاردة على أجد الكباري التي تمر فوق النيل هنا قرر أن دراجته هي سبب المشكلة
لا دراجة
لا قضية
(وبما إنها كده كده رايحة)
إقترب من السور وحملها بين يديه وقدمها قربانا للنهر العظيم الذي تقبلها راضيا .
طبعا لم يبلغ الحماس بأمين الشرطة أن يقفز خلفها أو يحضر فرقة ضفادع بشرية لإنتشال جسم الجريمة على سبيل الثأر لكرامته المهدرة
فقط إبتسم وعاد أدراجه
* * * * * * *
مازال السيد المسؤل نائما
حسنا فلنكمل إذا
هل خمن أحدكم الرابط بين القصتين أو موضوع المقال
على العموم إنتهى وقت الحكايات المسلية وبدأ وقت الرزالة
* * * * * * *
عندما تتأمل اسلوب المسؤلين في بلدنا المصون وطريقة إدارة الضغوط وكيفية العمل تحت ضغط تجد شيئا من إثنين إما أنه يحاول تجاهل المشكلة تماما أو تجاهلها لأطول وقت ممكن
أو أنه يحاول أن يتخلص من مبررات المشكلة ماذا عن المشكلة ذاتها
ماذا عن محاولة -مجرد محاولة- ايجاد حل
ولا حرف واحد
ماذا لو أن المشكلة أضيف إليها إضراب أو إعتصام كنوع من الضغط
هنا يتحول الأمر لمسرحية هزلية من القرارات والتصريحات والآراء المتضاربة لدرجة (تفقع المرارة)
* * * * * * * *
كتبت كثيرا عن المنظومة الصحية في مصر وحاجتها إلى إعادة تدوير -وليس تنظيم أو هيكلة أو نسف لإستحالة ذلك في الوقت الحالي- حتى شعرت بأنه ينطبق علي قول الشاعر : "لقد أسمعت إذ ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي"
فقررت أن أغير الموضوع بعدما شعرت بأنني أضغط بقوة على جرح غائر بلا جدوى سوى مزيد من الألم
هالني كم الرسائل التي تحدث صاحب كل منها عن تجربته المريرة مع المستشفيات الحكومية في حين أن لدي رصيد غير صغير من حكايا أصدقائي الأطباء عن معاناتهم في العمل تحت ضغط بلا حماية أو إحترام أو مقابل أو إمكانات وبدا أن الأمر كالدوران في دائرة مفرغة ولن نصل لنهاية الطريق أبدا
أرى الآن بارقة أمل في نهاية النفق
لذا أنا أؤيد وبشدة إضراب الأطباء إن كان سيؤدي لإصلاح القطاع الأهم والأولى حاليا فقط لو إستيقظ كل مسؤل من سباته العميق وتخلى عن عناده وضيق أفقه
أو تخلينا نحن عن سيادته أسهل
* * * * * *
لا أعتقد أن هناك عشرة أشخاص في مصر الآن قرأوا رواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي حتى تتم مهاجمة وإنذار صحيفة مصرية تنشر مذكرات الرجل بهذا الشكل .
من العجيب أن تسعون بالمائة ممن هاجم رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ لم يقرأوها بل من حاولوا قتل الرجل لم يقرأوها كذلك
الموضوع تم تضخيمه بلا داعي في الحالتين وتصويره على أنه تحدي لمشاعر المسلمين
أتمنى ألا تتوقف تلك الحلقات الممتعة التي لا غبار عليها الرجل يتحدث ويحكي فحسب فلننصت ولو لمرة واحدة
نجيب محفوظ مل الحديث فسكت حتى مات فلم نفهم مقصده
* * * * * * *
وكأنه قدري أن أفارق أحبتي لألقى أحبه آخرون
إن شاء رب العالمين المقال القادم لن أكتبه لكم من البحيرة
دمتم في رعاية الله
.
.
.
أحمد حلمي
البحيرة
5/10/2011
0 التعليقات:
إرسال تعليق