لماذا كتبوا . . لماذا نكتب . . لماذا لا يكتبون



أعرف أن كثيرين إبتسموا لمجرد قراءة العنوان فالموضوع أثار جدلا واسعا بيننا واحتدمت المناقشات حوله لوقت غير قليل

    وأعرف أيضا أن المقال سيكون خارج دائرة إهتمام بعض المتابعين لكنني أرجو أن تلتمسوا لي الأعذار إنها الأعراض الجانبية للتواجد في أسيوط ، فقط سنترك مسودة الدستور وجمعة الحساب وتقرير المصير وننسى هذا التناحر الدائر بين الحركات السياسية المختلفة ونتغافل عن مشاكلنا مؤقتا وندع البلد تتولى شؤنها ونأخذ نحن قسطا -كنت أنشده دوما- من الراحة لمدة أسبوع ،

    ما أعرفه جيدا أيضا أنه سيكون مقالا مختلفا عن أقرانه السابقين

    لن يكون هناك ألعاب عقلية مجهدة ، لن يكون هناك قصص غير مرتبطة شديدة الترابط في نفس الوقت ، لن يكون هناك سوى تحقيق أو بحث ميداني بين العقول إن جاز التعبير

    لكن هناك المزيد من الحكايا

    هذا ما لا أستطيع التوقف عنه

    إنه تأثير التواجد في أسيوط بين مجموعة رائعة من الأدباء لسنوات غير قليلة من عمري

    فلهم كل التحية .
    * * * * * *

    لماذا كتبوا

    ذكريات بعيدة إلى حد ما

    منذ عشر سنوات تقريبا عندما كنت متابعا لمجلة الشباب قرأت مقالا للساخر أحمد رجب لا أذكر عنوانه -عشان الحسد- كان يتحدث عن الكتابة منذ عهد الفراعنة حتى العصر الحديث كان المقال يحمل نظرية تم عرضها بإسلوب ساخر مفاداها أن الكتابة نشاط محبب لدى المصريين -أي كتابة وأي شئ وفي أي مكان- واستدل على ذلك بكمية الكتابات التي إمتلأت بها جدران المعابد والمقابر وأوراق البردي واللفائف التي تركوها في حين أن معظمها كان (أي كلام والسلام) بدليل أن هناك لوحات لاتحمل سوى أسماء ملوك فحسب دون أي معلومات حقيقية حتى أنه قال ساخرا أن المصري القديم كان عندما يقيم مأدبة فإنه كان يبني لضيوفه جدارا ليكتبوا عليه مايجول بخاطرهم بعد أن يفرغوا من الطعام -أي أن الفيس إختراع فرعوني-

    ثم إنتقل إلى العصر الحديث بنظرية أخرى تقول أننا نحمل ذات جينات الكتابة الفرعونية -أي كتابة في أي مكان-
    تأمل معي جدران المدارس ودورات المياه العامة والانفاق ومحطات القطارات والمواصلات

      ستجد أشعارا يعتقد كاتبوها أنها بليغة جدا ونظريات علمية تناطح نظريات داروين تقول بأن الإنسان المدير أصله حمار وأرقام هواتف وعناوين وأخبار عامة وأشياء أخرى كثيرة لا أحب أن أذكرها هنا لكنك حتما قرأتها في مكان ما .

    خلاصة القول أننا شعب يحب الكتابة ويحزنه أن يرى حائط فارغ فلا يخط عليه أي شئ حتى ولو كان إسمه

    هذا شئ في جينات المصري لا يستطيع مقاومته .

    * * * * * * * *

    نعود للجد

    ذكريات قريبة نوعا ما

    لن نتوقف أنا أعرف هذا جيدا . . .

    أو أن هذا ما أتمناه
    منذ حوالي ثلاث سنوات لابد أنه كان يوم خميس عندما قرأت قصة قصيرة لا أذكر عنوانها أيضا -درءا للحسد- وقد ذيلت كاتبة القصة قصتها بعبارة "ليلة إمتحان الأطفال" وهو ما أثار إندهاشي أن تكتب قصة بهذه الروعة في ليلة الإمتحان ، أي عقل هذا بل أي قلب هذا وهو ما لم أسكت عنه حينها وأبديت دهشتي من كيفية الكتابة تحت ضغوط الإمتحانات فأتاني تعليق من إحدى الزميلات يقول بأن عقولنا في أيام الإمتحانات تعمل بأقصى طاقتها وتصير لها إمكانيات لا نعرف أنفسنا أننا نمتلكها في الأيام العادية أضافت أن والدها أخبرها أن تكتب قدر إستطاعتها أيام الدراسة لأنها لن تكتب فور أن تتخرج وهو ما أنكرته وقتها وأنكرته أنا بدوري

    لكنه تحقق للأسف .

    * * * * * * *

    لماذا أكتب

    عندما طرح سؤال لماذا تكتب كانت إجابتي البديهية دون أي تفكير

    أكتب لأن الكتابة تمثل لي نشاط تطهيري أشبه بالذهاب للطبيب النفسي أكتب فأتخلص من هواجسي على الورق ، اكتب فأشرك غيري في همومي فلا أحملها وحدي

    أكتب فيعرف العالم أني موجود فيعرف من يأتي بعدي أني كنت موجودا ، أنا لا أتصور أن القدماء كتبوا على جدران معابدهم لمجرد أن يصير زاهي حواس شخص مهم وتباع قبعاته في الأسواق

    هذه فكرة سخيفة حقا

    لقد كتبوا لنعرف أنهم كانوا هناك في سالف الدهر يبنون قواعد المجد ويكفوننا الكلام عند التحدي .

    عندما أصبت بحالة من القرف وإتخذت قرارا إنفعاليا بعدم الكتابة
    إقتطع لي صديقي ياسر جميل سطرا من أحد مقالاتي يفيد بالعكس ثم قال لي بل ستكتب لأنك ببساطة بحاجة للكتابة  عندما عرضت مقال د . يوسف زيدان الذي قرر فيه التوقف تحت تأثير نفس الحالة التي أصابتني أرسلت لي أختي د . إسراء بكر جملة قدرت أنها ستكتب يوما ما في مقالي تقول أن الرسل تحملوا الكثير في سبيل نشر دعوتهم والكتاب المخلصون هم رسل هذا الزمان

    لا تتوقف

    الغريب أن د . إسراء نفسها صاحبة نظرية التوقف بعد التخرج و د . يوسف زيدان نفسه صاحب مقولة : "أكتب ياهيبا فالذي يكتب لا يموت"

    * * * * * * *

    لماذا لا يكتبون

    ثار جدل واسع بين أصدقائي الأدباء لماذا التوقف بعد التخرج

    تعددت الأسباب لكنها جميعا تصب في بوتقة واحدة تضم :

    لانجد مانكتب لانجد من يستمع لانجد البيئة التي تشجع على الكتابة وأخيرا إفتقاد الفراغ اللازم للكتابة والإنشغال بالحياة العملية

    الموضوع ببساطة أنه إفتقاد للسعة النفسية بعد التخرج

    أعتقد أننا أيام الدراسة كنا مهيأين بشكل ما للإبداع ثم إنصرفنا عنه لأسباب شتى

    إلا من رحم ربي

    يقول د . أحمد خالد توفيق -لم أستعين بآرائه منذ وقت بعيد بالمناسبة- لابد للمقاومة وأن تتناسب مع حجم ماندافع عنه
    أعتقد أن من قاوم هو من رأى أن ما يدافع عنه يستحق أن يبقى ومن استسلم هو من رأى غير ذلك حتى وإن كان من حوله لهم رأي آخر .

    الموضوع لا يمت بصلة للتخرج أو للدراسة الفيصل في هذا الموضوع يكمن في العزيمة وإصرار الكاتب أن يحارب عكس تيار الظروف المحيطة المحبطة فلا تقنعوني أن بلال فضل لم يتخرج بعد

    وفي نفس الوقت لا تقنعوني أن د . حسين الخياط كان يمازحنا وانه مجرد هاو جرفه تيار الحياة العملية

    لن أقبل بهذا المنطق

    أخواني أخواتي أساتذتي الأعزاء

    رجاءا لا تتوقفوا

    إستمعوا لأمل دنقل عندما قال

    أنت فارس هذا الزمان الوحيد وسواك المسوخ

    فبكلماته مايكفي من المعاني ويفيض

    في النهاية أهنئ صديقي على عبد الرازق برئاسة مجلس إدارة صالون آفاق الثقافي وأتمنى له التوفيق

    دمتم في حفظ الله

    .

    .

    .

    .

    أحمد حلمي

    أسيوط
    19/10/2012

1 التعليقات:

Unknown يقول...

مبروك على المدونة الرائعة يا صديقى الرائع ، بداية موفقة فى عالم التدوين وأحييك على التصميم وأحييك أكثر على المحتوى ،، إنطلق يا مُبدع :)

إرسال تعليق