" لاتحتاج الكتابة لمبررات , فقط تحتاج لدوافع "
لا أذكر كم مرة كتبت مقدمة تحمل مثل هذا المعنى , بل لا اذكر كم مرة جالت بخاطري وودت ان اكتبها ثم تراجعت ,
قبل خمسة شهور من الآن كتبت عن الارض شديدة الانحدار التي نسير عليها بظهورنا غير عالمين بنهاية الطريق , غير راغبين في المعرفة اصلا - ومن يريد أن يخبره أحدهم عن نهاية وضعية كهذه ,
ولأن المياه - تبعا لقوانين الفيزياء - لاتسير للأعالي فإنه لا داعي لذكر أي شيء يتعلق بتلك الحقائق حفاظا على ماتبقى من الثبات النفسي - هذا إن وجد اصلا - لكن ما لا افهمه جيدا , لماذا تتضافر كل الموجودات لتلخص امامي فكرة واحدة وتتجمع وتتبلور وتنمو لها اجنحة وتصير شيئا مزعجا يتحدى تجاهلي لكل المزعجات وتطن محلقة لتملأ كل الحيز الذي افسحته لنفسي - بشق الانفس -كي أتنفس بحرية وترتطم بجدران عقلي محدثة كل تلك الجلبة الآن بالتحديد ,
ربما لأن الذكريات الموجعة تتناسل - بصورة جيدة - في مواطنها الاصلية زمانيا ومكانيا ,
أو ربما هو قدركم ان اتخلص من محتويات حقيبة ظهري في ساحتكم كي اتنقل بحرية اكبر .
* * * * * * *
وأنا بين مخالب الظروف المهلكة
لم أجفل أو أصرخ عاليا
ومع توالي ضربات القدر
غطت الدماء رأسي
لكنه لم ينحن
من قصيدة " الذي لا يقهر " للشاعر ويليام ارنيست هينلي
السبت
الرابع عشر من ديسمبر 2013
المسرح الشتوي
العرض الثالث لنادي السينما
وقفت للمرة الاولى لاواجه جمهورا سينمائيا متحمسا للتجربة الجديدة وقد اضاف له الفيلم - المنتهي توا - حماسا فوق ما اتى به ,
لم يأخذ مني الامر سوى دقائق لأدرك فداحة الامر ومرارة ما خلف كلماتي ,
لقد خرج الامر تماما خارج اطار السينما لكن لم يكن هناك مجالا للتراجع , لتكمل ما بدأته إذا , ما ان انتهيت حتى قال لي سامح : " قاتلك الله ياحلمي "
الفيلم الذي يحمل ذات عنوان القصيدة والذي يحكي جانبا من أول سنوات حكم الراحل نيلسون مانديلا لجنوب افريقيا بعد خروجه من السجن تم بناء السيناريو الخاص به استنادا إلى كتاب يوثق الوقائع الاصلية بعنوان
"Playing the enemy"
الكتاب من تأليف جون كارلين
وغلاف الكتاب يحمل صورة لنيلسون مانديلا وهو يحمل كأسا بجوار أحد الرياضيين , بينما كُتب تحت العنوان بخط اصغر " نيلسون مانديلا واللعبة التي بنت الامة "
هل خمن أحدكم أي شيء ؟
* * * * * * *
قبل حوالي شهرين فوجئت ذات صباح بخبر اعتقال زميل لنا بلا تهمة حقيقية تقريبا ,
دخلت صفحته لأتأكد من الخبر فوجدت انه لم يكتب احدهم اي شيء بعد لكن ما كان بانتظاري هناك كان شيئا آخر أكثر الما ,
كانت قد مضت على اعتقاله ساعات قلائل فكانت الصفحة مازالت تحمل بصماته التي كان آخرها منشور ( شماتة ) في أحد النشطاء الذين حُكم عليهم بالسجن - قبل أيام - مرفقا شماتته بصورة ضوئية لمنشور لذات الناشط يشمت فيها بدوره في مناسبة سابقة من الفئة التي يناصبها العداء في يوم كرب لهم لانهم كانوا قد شمتوا فيه سابقا في يوم كان قد اااااا....
وهكذا يمكنك ان تعود بظهرك في ذاكرة متسخة بالضغائن لمدة ثلاث سنوات دون ان تصادف اي شيء غريب .
لولا انني اصبت بالصداع خلال النظر في مشهد المرايا المتقابلة هذا لكنت بدوري ربطت طرف الخيط الخاص بي في ذيل خيوطهم ودرت في ذات الفلك دون الشعور بأي شيء غريب .
* * * * * * *
عشرة أعوام قضاها اينشتاين يفكر ويتأمل محاولا وضع المعادلة المحركة لهذا الكون ,
بين عامي 1906 و 1916 وخلال آلاف من دروب التفكير ودون كتابة سطر واحد ومرورا بعبارته الشهيرة " اما انني اسير نحو المجد او ان الله اراد لي الضلال والمزيد منه " ,
حتى خرج لنا بمعادلته التي لا تقاوم حول حساب المسارات المنحنية في اي مكان في الكون بفعل الجاذبية ,
ان كنت ترى الامر ملتبسا بعض الشيء سأقول لك بكل بساطة سطرا واحدا
" اذا القيت اي جسيم في الفراغ فإنه - وعلى غير المتوقع - سيتخذ مسارا منحنيا ولن يسير في خط مستقيم كما تظن بل ويتعين عليك ان تكون اينشتاين لتتنبأ به "
يقول اينشتاين معلقا على هذا السطر
" لنتخيل أن هناك حشرة عمياء تسير على جذع شجرة منحني تحسب انها تسير للأمام في خط مستقيم , كل ما هنالك انني تمكنت من ادراك أن الجذع منحني فحسب "
الخلاصة انه ليس هناك مسار مستقيم في هذا العالم , نحن نسير متعاقبين في مسارات منحنية معدة سلفا وان كنا لا ندري .
* * * * * * *
في أوائل التسعينات خرج نيلسون مانديلا بعد سبعة وعشرين عاما من السجن ليقول لاتباعه القوا اسلحتكم في البحر ودعونا نثبت لهم انهم كانوا على خطأ عندما عاملونا بهذه الطريقة ,
وسط كل حملات التشكيك والتوقعات بعدم القدرة على ادارة الدولة كان نيلسون مانديلا يؤمن بشيء واحد
" إذا لم تتغير قناعاتي حسبما تتغير الظروف فكيف لي ان اطلب من الجميع أن يفعل ذلك "
لكن الكتاب الذي يحمل عنوانا عبقريا للغاية لم يكن يحكي عن ذلك
الكتاب كان يحكي عن ( الرجبي ) لعبة السادة البيض التي سوف تستضيف جنوب افريقيا منافسات كأس العالم فيها بينما يحاول المسؤلون الجدد - سود البشرة - التنكيل بأعدائهم القدامى بتسريح الفريق وبناء اخر جديد يعبر عن ألوان الدولة الجديدة ,
الامر يبدو منطقيا تماما وسيتم وفقا لاجراءات قانونية كذلك ,
لكن الرئيس الذي كان - ككل اسود - يشجع كل خصوم الفريق محل النزاع طوال مدة سجنه فقط كي يضايق سجانيه البيض ادرك فداحة الامر وتدخل ليمنعه بشكل غير قانوني معقبا بأن الانتصارات الصغيرة هذه سوف لا تكسبكم سوى عداوات كبيرة لن تفيدنا في بناء دولتنا ,
دعونا نثبت لهم خطأ مخاوفهم من وصولنا للحكم
الفيلم ينتهي كما يحكي الكتاب بالتفاف الشعب كله حول منتخب الرجبي الذي كان يمثل العنصرية بكل مساوئها لعقود طويلة .
* * * * * * *
كما حكى اينشتاين تماما عن تأثير الاجسام الكبيرة في الفراغ الممتد نسير نحن على غير هدى حاسبين اننا نمشي للأمام
يقول اينشتاين ببساطة ان الاجسام الكبيرة تقوم بإحناء الفراغ حولها مجبرة كل المحيطات ان تسير في مسارات محددة ,
لذا يسير كل شيء بأريحية تامة في مسارات معوجة بينما يحسب انه يمشي للأمام
هناك قوة ما خفية لا نعرف كنهها تفعل ذات الشيء معنا
لذا تسمع بغير خجل عن عبارات مثل ( ايه اللي وداهم هناك ) بينما يحق لقائلها الذهاب بكل حرية اذا اراد هو ذلك
طالما انت في موقف القوة يمكنك ان تقول وتفعل اي شيء
يمكنك ان تسمع عن قانون لحرمان الخصوم من ممارسة حقوقهم بينما لم يدر بخلده انه كان بالامس يعاني من ذات الشيء
يمكنك ايضا تستخدم ايدولوجياتك لقتل خصومك بكل اريحية متذرعا بذرائع واهية لاتقنع طفلا دون ان تفكر ان ابادة الافكار غير وارد على الاطلاق
من قال لكم ان الدول تبنى على جثث الخصوم مهما كان جرمهم
سوف تدورون في ذات المسار المنحني لقرون قادمة ما لم تفهموا كيف يسير الكون ,
ما لن يترجمه جوجل بدقة فيما يخص نيلسون مانديلا هو ببساطة عنوان الكتاب
" Playing the enemy "
فقط لأن الامر فلسفيا وليس لغويا
أن تلعب دور العدو ,
أن تجلس مكانه ,
أن تملك قدراته وسلطاته التي تملكها ومارسها عليك يوما ما ,
ان تسكن مساكن الذين ظلموا ,
هذه ليست بكائية ,
لأن النهاية لم تكتب بعد لكنها محاولة لتقريب أمر ما للذهن - لذهني انا على الاقل -
" كل الحكاية ان مياها كثيرة قد جرت في اراض لم يعدها الدهر لتصبح مجرا لنهر من الاساس لذا فلن تصل لابعد مما بدأت منه ولن تذهب لاي جهة على اي حال "
يمكننا ان نبدأ من تلك الحقيقة لو اردنا الخروج من اسار تلك المعضلة
كل عام وانتم بكل الخير
دمتم في حفظ الله
أحمد حلمي
البحيرة
27/6/2014
0 التعليقات:
إرسال تعليق