أعرف قواعد اللعبة

حكى لي صديقي الطبيب عن حالات وفاة حدثت على يديه منذ سنوات بسبب الحر الشديد الناتج عن انقطاع الكهرباء في قرى الصعيد المعدومة ,
بغض النظر عن أن كل قرانا معدومة ومعظم مدننا كذلك , لكن ما لفت نظري أن الكهرباء لم تنقطع بعد عن مدينة أسيوط بينما الجمهورية كلها تصرخ ,
اكاد اسمع جملة ( ياساتر عليك يا أخي ايه الفقر ده ) انا مش بحسد , اصبروا سنغرق كلنا ف الظلام قريبا , انا فقط استفزتني البهرجة الضوئية المبالغ فيها في المدينة العامرة بينما قراها ترقد في ظلام دامس ,
هناك على سبيل المثال ست وثلاثون كشافا ملونا قدرة الواحد منها ألف وات عُلقت حديثا بالتساوي أسفل كوبري السكة الحديد وكوبري 25 يناير والخزان الصغير , ولاحظ أنني قلت أسفل ,اي تضيئ المياه فحسب , فقط لتصنع منظرا جميلا ينعم به ناظريك ,
بحسبة بسيطة يعرفها أي طالب هندسة في أولى كهرباء وقوى أن الطاقة المستخدمة في تشغيل أضواء الزينة هذه تكفي لإضاءة قرية متوسطة المساحة وعدد السكان ,
لما قامت ما اسميتموه انتم مجازا بثورة ما كنت أنشد أنا أولا إلا شيئا واحدا , وددت أن تختفي من بلادنا تلك الاوضاع المقلوبة التي لا تجد لها تفسيرا منطقيا غير أنك مجنون أو متخلف أو لا قيمة لك ,
لكنها زادت بكل أسف , شبكة الكهرباء في بلدنا المصون تستعد ببروفات مسلسل قطع التيار الصيفي مبكرا , بينما مدينة أسيوط تعلق الزينات ,
ذكروني أن أحدثكم يوما ما عن أسيوط الجديدة ,
هناك الكثير من المقلوبات في تلك المدينة الجميلة .

* * * *
مياه النيل بين الحرب والسياسة
أبريل 2011 ,
أي بعد - ما أسميتموه مجازا الثورة - بشهور قليلة كان هذا عنوانا لمحاضرة علمية ألقاها علينا أحد علماء جامعة أسيوط الأجلاء المشهود لهم ,
يمكنك ببساطة أن تكتب أسم سيادته في خانة أي محرك بحثي لتقفز في وجهك اسهاماته العلمية مصحوبة بتاريخه السياسي وتاريخ عائلته كذلك .
 أذكر المحاضرة جيدا وبالتفصيل , أذكر أنه بدأها بشرح تاريخي لشكل حدود الدولة المصرية إبان حكم محمد علي وحرصه على تأمين منابع النيل ,
أذكر كذلك أنه تحدث بشكل علمي عن التضاريس والوديان والمساقط في افريقيا وما يصيب نهرنا العتيق من كل منها ,
 أذكر أنه أوضح وشرح وفند بشكل علمي بحت تأثير بناء سدود على حصة كلا من مصر والسودان من المياه ,
أذكر أنه ألمح إلى خطأ السياسات السابقة التي أدت إلى تدهور العلاقات مع دول أفريقيا مما أفسح المجال لتنامي نفوذ دول أخرى لتملأ الفراغ السياسي الذي تركناه بكامل إرادتنا ,
 أذكر أنه هاجم وبشكل علمي كذلك فكرة بناء السد العالي , وسياسات وزارة الري , وطرق استخدام المياه في مصر ,
 أذكر كذلك وبشكل جيد أنه قال بألفاظ واضحة أن المشروع مؤجل منذ فترة كبيرة وأن دولة اثيوبيا استغلت انشغال الجيش المصري في الشارع السياسي وقررت تنفيذ المشروع ,
وقبل أن تنساب الأفكار من اذهاننا نحو ألسنتنا بالسؤال عن ماهية العلاقة بين الجيش والمياه , أضاف هو أنها قضية أمن قومي لا يرى لها سوى التدخل العسكري لحسمها , وأن أي خطوة إيجابية من الجانب الأثيوبي في إتجاه بناء سد لابد وأن تقابل بخطوة إيجابية حازمة من الجانب المصري بضربة عسكرية عنيفة , ودعا لتعبئة عامة للجيش لتعويض ما استنزفه حفظ الأمن في الشارع ,
وعقب بحماس واللعاب يتطاير من شدقيه , " وأعلن وأنا رجل ستيني أني أولكم تطوعا للجيش "
فدوت القاعة بالتصفيق الحار .
وصفقت أنا وقتها لذلك .

* * * *

ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ ﺇﻳﻬﺎﺏ ﻓﻬﻤﻲ، ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺙ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﺑﺎﺳﻢ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ، ﺇﻥ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺮﺳﻲ ﺑﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﺎﻣﻞ ﻋﻤﺮﻭ، ﻭﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻱ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻬﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺤﺚ ﻣﺸﺮﻭﻉ سﺪ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﺍﻷ‌ﺛﻴﻮﺑﻲ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻮﺍﻧﺒﻪ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻻ‌ﺭﺗﺒﺎﻁ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺑﺎﻷ‌ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ , ﻭأوضح ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﻻ‌ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﺱ ﺑﺤﺼﺔ ﻣﺼﺮ ﺍﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻻ‌ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﻤﺰﺍﻳﺪﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻷ‌ﻫﻤﻴﺔ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺼﺮ ﻻ‌ ﺗﺮﻓﺾ ﺃﻭ ﺗﻌﺎﺭﺽ ﺃﻱ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻟﻦ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻷ‌ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻣﺮﺳﻲ ﺣﺮﻳﺺ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻹ‌ﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ .
 وبغض النظر عن أن التصريحات الرسمية لم تتغير لهجتها بعد مبارك حتى لتشعر أن لديهم نماذج رسمية لكل شئ وأي شئ , فقط خانة الاسم تظل فارغة لتملأ حسب الطلب , فإن التصريح السابق لا يستقيم شكلا ولا مضمونا , كيف لاتعارض الاعمال التنموية في أفريقيا بينما لاتسمح بالمساس بحصة مصر , لماذا تزامنت زيارة الرئيس لأثيوبيا مع تقديم موعد العمل على السد ,
 آه ,
 عذرا ,
 أتحدث عن تناقضات رأيتها أمامي واضحة وفقا لخلفياتي التي لم اطلعكم عليها ,
 السيد الاستاذ الدكتور صاحب المحاضرة المذكورة أعلى المقال بكل بساطة قيادي إخواني كبير لديه من النفوذ داخل الجماعة ما يجعل علمه ورأيه مأخوذا به , ولا أظنه يستعصي عليه الوصول للرئيس شخصيا - رغم عدم جدوى ذلك - خلال ربع ساعة وشرح وجهة نظره العلمية والسياسية التي أبهرنا بها منذ سنتين ,
 أظنه كذلك قادرا على إثناء الرئيس عن مساندة أي مشروعات تنموية في افريقيا لأنها ببساطة حسب قوله تهدد الامن القومي ,
 ما أثار دهشتي أن ذلك العالم الجليل يقف من الرئيس موقف المهادن الموائم ويخاطب الشعب المصري عبر الفيس بكل نعومة بنبذ الخلافات والتصدي للمشروع .

 ( عبط إحنا ياعصام )

* * * *

بغض النظر أن باسم كان سيسعد كثيرا بفيديوهات المحاضرة المذكورة , فأنا أعرف أن بعضكم الآن يقول , وماذا في ذلك , لقد تغيرت كل مواقف الإخوان خلال السنتين الماضيتين , ماذا يضير موقفا جديدا تغيروا فيه , لماذا توقعت غير ذلك , الأمر هنا يختلف , أتحدث عن عالم يتحدث بالعلم , أستاذ جامعي نأتمنه على عقولنا لأنه يتحدث وفقا للثوابت العلمية غير الخاضعة لأي أيدولوجيات أو توجهات سياسية متطرفة , - ومتطرفة دي مش شتيمة على فكرة -
في مقال قديم لي بعنوان " سَلَطَات دولة القانون " تحدثت عن تباين التفسيرات القانونية وفقا للتوجهات السياسية , وكانت دهشتي وقتها من فكرة أن القانون فضفاض ويحتمل معان وتأويلات كثيرة غير ذات معنى لأنني أكتشفت بعدها أن القانون فضفاض فعلا ,
 لكن العلم المادي الجاف ليس فضفاضا ليسمح بتغير الآراء قبل السلطة وبعدها وفقا للمصالح العليا بما يوافق قلعة الجبل ,
لا أتصور أن يقول لي أستاذ الكيمياء الإخواني بعد أن وصلوا للحكم أن إضافة هيدروكسيد الصوديوم لحمض الهيدروكلوريك سينتج عنه سكر الاسرة بدلا من ملح كلوريد الصوديوم .

( كده كتير يعني )

 لا أعتمد في كتاباتي على فرض أحكام على عقل القارئ , انا فقط أعرض القرائن واترك لك تجميع الخيوط , لكن الوضع هنا يختلف , نحن هنا بصدد قاعدة جديدة , قاعدة جديدة أصّل لها التواجد الإخواني على الساحة السياسية , لتعرف خصمك - وخصمك دي مش شتيمة برضه - لابد وأن تعرف قواعد تحركاته , القاعدة هنا تقول :
" لاتوجد ثوابت من أي نوع طالما تلاقت المصالح "
فلا تتوقع أن ينحاز العالم الإخواني لعلمه مهما حدث ,
 دعني أعيد ترتيب الجملة السابقة لتفهمها أكثر ,
 لا تتوقع عزيزي القارئ أن ينحاز الإخواني العالم - بأي شئ - لعلمه مهما كانت الظروف . أظنها واضحة جدا الآن

* * * *

سبعة ملايين متمرد في ثلاثة اسابيع ,
كرة الثلج تتعاظم اثناء سقوطها بالفعل ,
عزيزي المتمرد , احضر صافرة وكارتا أحمر وقابلني عند الاتحادية يوم 30 يونيو .

دمتم في حفظ الله

أحمد حلمي

أسيوط الجديدة

 31/5/2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق