مقال لن تقرأه سارة



يقوم الفيس كعادته يوميا باعتباره موقع تواصل اجتماعي محترم بتذكيري بأعياد ميلاد اصدقائي كما تعرفون , بالامس فعل - للمرة الاولى - شيئا مغايرا ,كثيرا ما حيرني التفكير فيه ,
كنت اعبر الطريق ذات يوم عندما كادت تدهمني سيارة مسرعة بصورة مفاجئة شعرت وقتها أني كنت قريب جدا من الموت , عندما أفقت من صدمتي وتابعت طريقي نظرت الى هاتفي فوجدت ذاك العالم الصاخب مازال يتابع ضجيجه الهامس , قفز في ذهني وقتها سؤال مفاداه ترى كم كان سيمر من الوقت حتى يعلم أولئك البشر المشغولون بلا شئ تقريبا أني فارقت الحياة تحت عجلات سيارة مسرعة ,ومن ثم يفتقدني احدهم لمدة ثلاث دقائق فيكتب منشورا اجتماعيا يهنئني بتلك المناسبة المهمة , لم اصارح صفحتي الشخصية بسؤالي وقتها لأني توقعت الردود التي لا تحمل اجابة لسؤالي حتما ,
لكني تلقيت الاجابة الآن بكل أسف .
اكاد اشعر ان موقع التواصل الاجتماعي ينشر تاريخ وفاتك - كتاريخ ميلادك تماما - بعد حدوثها بثوان قليلة كأنه توقعها او انها سجلت مسبقا بطريقة غير مرئية .

***************.
في الرابع من يناير تلقيت طلب صداقة من شخص لا اعرفه ,
بعد محادثة روتينية تبين لي أنها طالبة صيدلة من أسيوط وتدعى سارة , وتروقها مقالاتي المتواضعة كثيرا وتتابع منذ فترة بعيدة لكني كنت اجهل ذلك كما أجهل وجود أشياء كثر ,
بكلمات قليلة كشفت لي أنها متابعة ممتازة ولا تأخذ أي شئ ببساطة ,
لدرجة أنها ذكرت مقاطع مميزة لكل مقال ,
وجود متابعين بهذا الشكل اروع شئ في العالم ,
كم كانت فرحتي بمعرفتها عظيمة ,
لماذا لم تظلي تتابعيني من بعيد ياسارة .

****************

منذ عامين عندما كنا نبكي شهداء الثورة كتب د . أحمد خالد توفيق أنه بينما يتأمل وجوه الراحلين خطر له أن بعضهم ربما كان يقرأ له فاقشعر بدنه للخاطرة ,
لم أفهم مقصده وقتها ,
ما الفارق الذي يشكله ذلك لديه ,
لقد ماتوا على كل حال ,
عندما عرفت برحيل سارة عرفت مقصده وتلقيت الهزة لكن لم يقشعر بدني ,
لقد تم قصف مبنى الشئون العامة للإتزان النفسي ومبنى تنظيم رباطة الجأش بالجهاز العصبي لدي بالمدفعية الثقيلة وتسويتهم بالارض تماما ,
انها المرة الاولى التي افهم فيها معنى فقدان شخص لم تلقه قط , ان يترك احدهم فراغا لم يكن يشغله لديك , او كنت تحسب انت انه لم يكن يشغله ,
المرة الاولى التي ادرك فيها أن العلاقات الانسانية لاتخضع لقوانين الفيزياء .
لم القها قط
عرفت بوجودها منذ شهور قليلة
بادلتها كلمات معدودة
لكن احساس الفقد الذي يعتريني الآن يعادل فقد نصف قرائي دفعة واحدة
نصف عائلتي دفعة واحدة
نص عالمي دفعة واحدة
بربك لماذا رحلت بلا وداع يا سارة

*****************

كتبت على صفحتها قبل يومين :
" إن لم تعطك الحياة ماتريد فلا تظن أنك لاتستحقها الحقيقة أنك تستحق ما هو افضل "

بعد دقائق قامت بتغيير صورة الغلاف الى لوحة سماوية هادئة كتب عليها إن كانت حياتك لغير الله فإن موتك سيصير للاشئ "
بعدها بساعات قليلة توالت منشورات الدعاء لها بالرحمة .
من الطبيعي أن تجد المقربين يثنون على الفقيدة ويدعون لها بالرحمة لكن ما حدث يتجاوز ذلك بكثير , تبينت أن سارة كانت ملاكا حقيقيا يعيش بيننا كانت تراكم من الخلق الحسن يمشي على قدمين , كتبت منذ ايام مقولة لعمر بن عبد العزيز يقول فيها أنه يمكنكم الدعوة الى الله وانتم صامتون فقيل له وكيف ذلك قال بأخلاقكم بعد وفاتها عرفت ان حياتها كانت تسير وفقا لهذه الكلمات . عندها أدركت فداحة خسارتنا .

******************
ﻫﻮﻥ ﻋﻠﻴﻚ ، ﻓﻼ‌ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻻ‌ ﻫﻨﺎ
ﻭﺟﻬﺎ ﻟﻮﺟﻪ ﻗﻞ ﻟﻤﻮﺗﻚ ﻫﺎ ﺃﻧﺎ
ﺿﻊ ﻋﻨﻚ ﻋﺒﺌﻚ ﻭ ﺍﻟﻖ ﺧﺼﻤﻚ ﺑﺎﺳﻤﺎ
ﻓﻌﻠﻰ ﺟﺴﺎﺭﺗﻪ ﻳﻬﺎﺏ ﻟﻘﺎﺀﻧﺎ
ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺇﻻ‌ ﺳﺎﻋﺔ
ﻋﻠﻢ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻛﻴﻒ ﻧﻜﺮﻡ ﻣﻮﺗﻨﺎ ؟!
ﻻ‌ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﺧﺼﻤﺎ ﺍﻗﻞ ﺑﺴﺎﻟﺔ
ﻭﺍﺭﻓﻊ ﺟﺒﻴﻨﻚ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻋﻮﺩﺗﻨﺎ
ﺗﺘﺒﺮﺝ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ، ﻭﻧﻜﺴﺮ ﻛﺒﺮﻫﺎ
ﻭﻧﻘﻮﻝ : ﻳﺎﺣﻤﻘﺎﺀ ﻏﺮﻱ ﻏﻴﺮﻧﺎ
ﻻ‌ ﻧﺴﺘﺠﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ
ﻣﻦ ﻓﺮﻁ ﻧﺨﻮﺗﻨﺎ ﻧﺠﻴﺮ ﺟﺮﺍﺣﻨﺎ
ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺟﺒﻞ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻴﻮﻧﻨﺎ
ﺇﻻ‌ ﻟﻨﺮﻓﻊ ﻓﻮﻗﻪ ﺍﻛﺘﺎﻓﻨﺎ !!
ﺇﻧﺎ ﻭﻗﺪ ﻧﻬﺐ ﺍﻟﻈﻼ‌ﻡ ﻧﺠﻮﻣﻨﺎ
ﻧﻬﺪﻱ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻟﻤﻦ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﻧﺎ
ﻓﻲ ﺯﻓﺮﺓ ﺍﻟﻔﺮﺱ ﺍﻷ‌ﺧﻴﺮﺓ ﻗﺒﻠﻤﺎ
ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻋﺘﺬﺍﺭ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻋﻦ ﻣﻮﺕ ﺍﻟﻤﻨﻰ
ﺳﻨﻘﻮﻝ ﻟﻠﺮﺣﻤﻦ ﺟﻞ ﺟﻼ‌ﻟﻪ
فلتعطنا ﻣﻮﺗﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻤﺜﻠﻨﺎ

**************-****
هذا مقال لن تقرأه سارة ولا يليق بروعتها لكنه يسير بمحاذاة الالم الذي تركته لنا
الهم الله اهلها الصبر والسلوان واسكنها فسيح جناته
اسألكم الدعاء لها بالمغفرة والرحمة

دمتم في حفظ الله

أحمد حلمي

أسيوط

12 / 4 / 2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق