حلوة بلاد الثورة ؟



هناك علامة استفهام تذيل العنوان بالمناسبة , ولكن دعونا ننعش ذاكرتنا قليلا ,
هذه محاولة لكتابة مقال متعدد الأجزاء رغم أنها كانت مجرد وسيلة فرضتها ظروف استهلاك مساحة النشر - التي وضعتها لنفسي - قبل عرض كامل الفكرة , إلا انها بدت كنوع من التغيير , كنا نتحدث عن تحولات تدير الرؤوس اصابت المجتمع في شريحته الأهم وما أدى إليه ذلك ,
ولأخذ العلم ,
قصة إنسان الاريكة المبجل محض قصة رمزية لا تشير بالتحديد الا لأحداث في خيالي أنا وأي تشابه أو تعارض مع الواقع لايمكنكم لومي عليه .
وبعد أن وقفنا على أرض صلبة , لنكمل إذا .

**************

ماذا حدث للمصريين

في كتابه بنفس هذا العنوان حاول د . جلال أمين أن يجيب عن تساؤل مفاداه ماذا تغير في المجتمع المصري خلال نصف قرن , ظل الكتاب صامدا يجيب عن ذات السؤال لأزمان طويلة تالية لوقت كتابته حتى ظننته يحمل معجزة ما ,
الكتاب الذي تبنى نظرية الحراك الاجتماعي يتداعى الآن أمام أحداث غير مفهومة ,
إتفقنا أن الثورات أحداث استثنائية , لذا فالتغيرات الحادثة تقع خارج هذا النطاق ,
كنت استمع لقصيدة المانيفستو لمصطفى ابراهيم وبدت لي مؤثرة جدا إلا انها أضاءت لي منطقة كنت غافلا عن وجودها ودفعتني للبحث في أصل العنوان الغريب , وجدت مقال طويل في احد المنتديات يشرح باستفاضة تاريخ اللفظة فاقتطعت منه هذه الفقرة ,

* * *
ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1550، ﻛﺎﻥ ﻟﻠﻔﻈﺔ "ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﻔﺴﺘﻮ" ﻣﻌﺎﻥ ﻟﻐﻮﻳﺔ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻭﻣﺤﺪﺩﺓ ﺑﺎﺧﺘﻼ‌ﻑ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻣﻮﺱ. ﻓﻔﻲ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ، ﺍُﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻟﻮﺻﻒ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﺤﻤﻮﻟﺔ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ (ﻋﻨﺪ ﻏﻮﺩﻳﻔﺮﻱ)! ﻭﻓﻲ ﺣﺎﻻ‌ﺕ ﺃﺧﺮﻯ، ﻟﻮﺻﻒ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺨﺠﻞ (ﻋﻨﺪ ﻛﻮﺗﻐﺮﺍﻑ). ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻹ‌ﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ، ﻋﺮﻓﺖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﺤﻮﻻ‌ﺕ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ، ﻭﺍﻋﺘﻤﺪﺕ ﺃﻛﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍﻷ‌ﺻﻞ ﺍﻟﻼ‌ﺗﻴﻨﻲ (ﻣﺎﻧﻴﻔﺴﺘﻮﺱ)، ﻛﺪﻻ‌ﻟﺔ ﻋﻠﻰ "ﻣﺎ ﺻُﻨﻊ ﺑﺎﻟﻴﺪ"، ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻦ "ﻛُﺸﻒَ ﻛﺬﺑﻪ ﻭﺧﺪﺍﻋﻪ".

ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1575، ﺍﻛﺘﺴﺒﺖ ﻛﻠﻤﺔ "ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﻔﺴﺘﻮ" ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺘﺠﺪﺩﺍ ﻣُﻘﺘَﺒﺴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻹ‌ﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍُﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻟﻠﺪﻻ‌ﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ "ﻭﺭﻗﺔ ﻃﺎﺋﺮﺓ، ﻣﺨﻄﻮﻁ، ﺃﻭ ﻣﻨﺸﻮﺭ ﻳُﻌﻠّﻖ ﻓﻲ ﺍﻷ‌ﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻜﺸﻒ ﺍﻷ‌ﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ". ﻣﻦ ﺧﻼ‌ﻝ ﺍﻻ‌ﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻹ‌ﻳﻄﺎﻟﻲ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ، ﺃﻣﺴﻰ ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﻔﺴﺘﻮ ﺭﻣﺰﺍ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﻴﺎﻥ، ﺧﻄﺎﺏ، ﺇﻋﻼ‌ﻥ ﻋﺎﻡ، ﻳﺼﺪﺭﻩ ﺃﺣﺪ ﺍﻷ‌ﻣﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﻴﻦ، ﺃﻭ ﺩﻭﻟﺔ ﺫﺍﺕ ﺳﻴﺎﺩﺓ، ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺷﺨﺺ ﺃﻭ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷ‌ﺷﺨﺎﺹ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺣﻀﻮﺭﺍ ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﻔﺴﺘﻮ ﺑﺎﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ.
ﺫﺍﻉ ﺍﻻ‌ﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻠﻤﺎﻧﻴﻔﺴﺘﻮ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﻲ ﺍﻟﺨﻄﺎﺑﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻊ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ، ﻭﺗﻜﺮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻻ‌ﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺑﻜﺜﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﺍﻟﻼ‌ﺣﻘﻴﻦ، ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺒﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺪﻻ‌ﻟﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ (ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، ﻣﻌﺠﻤﻲ ﻟﻴﺘﺮﻱ ﻭﻻ‌ﺭﻭﺱ...).
* * *
أظن واضح
المهم أن القصيدة تعتبر بيانا ارشاديا لطريقة تنظيم مظاهرة ناجحة فعالة مثمرة استخدم الشاعر فيها الفاظا تدل على تلذذه واستمتاعه بوصف الحالة وتمني دوامها , هذا ما شعرت به وتمنيت الا يكون صحيحا ,
***************

" أمازلتم في حاجة إلى توضيح "
د . يوسف زيدان
أذكر أنني قرأت روايته الأشهر عزازيل في العام 2010 الرواية على روعتها طبعت في ذهني مشهد مأسوي منها لم تفلح الأيام أن تمحيه , يحكي المؤلف أنه قبل خمس سنوات عندما صدرت الرواية تلقى العديد من التساؤلات عن معنى لفظة السحل الواردة في مشهد قتل هيباتيا في الرواية المذكورة رغم أن المعنى يظهر جليا خلال السياق إلا أن د . يوسف زيدان يرد بعد خمس سنوات قائلا : " أمازلتم بحاجة لتوضيح
افتحوا التلفاز إذا " .
الحقيقة أن مقولته جعلتني أعود للرواية مرة أخرى , قرأت الفصل الذي يحكي المشهد الذي هزني حد البكاء قبلا عدة مرات ,
لم يهتز لي جفن ,
لم أره مفجعا حتى ,
لم أفهم رد فعلي السابق منه ,
فهمت معنى لفظة السحل ,
وفقدت إحساسي بالالم كذلك .
اكتشفت انه لم يتم بيعي فحسب , لقد تم انتهاك معنوياتي كذلك .
هذه مكتسبات ثورة عظيمة كما ترون بلا شك .

****************
.
الجمعة الماضية تحمل حدثا يدور في نفس الفلك
سأحكي الواقعة كمثال فقط وليس كموقف سياسي يحتمل الجدل ,
دعوة للتظاهر أمام مقر مكتب الارشاد , رغم اعتراضي على الفكرة واعتراضي على اعطاء المكان قيمة سياسية اكبر من حجمه الا ان رد الفعل الاخر يحمل من الغباء ما يجعلني اوقن انهم لا يبغون من الاقتتال خلاصا ,
ماذا كان يضيرك لو اخليت المبنى من الافراد والحرس والمستندات وتركته ليهدمونه على اسوأ الفروض , وربحت انت موقف المترفع عن اراقة الدم ,
ما حدث ان الشباب المتحمس للدفاع عن مبنى خال من اي شئ تم الاعتداء عليهم بلا رحمة ,
سيبك انت ,
المهم المقر بخير

************
الخلاصة أن مرأى الدم صار شيئا عاديا لدى جموع المصريين والاغاني التي كانت تدمي الاعين بصور الشهداء صارت مصدر بهجة والاشعار التي كانت تكتب تحت تأثير حالة الثورة صارت مصدر رزق , والمقاطعة صارت موضة قديمة والقرض اصبح مصاريف ادارية والنشاط الدعوي اصبح جهادا والقصاص صار تمسكا بأصول اسقطتها الدواعي بلا داعي
ذكرت في مقال سابق ان الاحداث في مصر تسير وفق منحنى جيبي - ( حاجة كده شبه القبة بس ماتحتهاش شيخ ولا حاجة ) - بمعنى انها مابين الصعود والهبوط فيمكنك توقع التالي حسب موقعك الا انني كنت متفائلا جدا لأنه اتضح لي ان الامر لا يزيد عن حالة (دهولة) عامة ولا احد يمكنه توقع الخطوة القادمة ولا حتى الرئيس نفسه
بلاد الثورة لم تعد حلوة ولا حاجة والنكتة اصبحت غير مضحكة , وباسم صار (دمه تقيل)
كلاكيت عاشر مرة هاقول
ثم دارت اللمونة دورة كاملة ثم داخت
ثم ان الناس لامونا ثم ان الثورة باخت .

دمتم في حفظ الله

أحمد حلمي

أسيوط

29 / 3 / 2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق