0 التعليقات

فيروزيات كونية


مقدمة موسيقية مهيبة وقصيرة ومحببة للنفس من الوتريات موحية بجو المعابد الرومانية القديمة ,

تضعك بهدوء خاطف وسط حدث جلل لن ينتظرك لتتهيأ له بالقدر الكافي ابدا مهما فعلت ,

الى ان تنقشع كل الغيوم دفعة واحدة آخذة معها كل ما تبقى من انتباهك وانفاسك ودقات قلبك كذلك



°°°°°°°°°°°°



عندي ثقة فيك

عندي أمل فيك

وبيكفي

شو بدك يعني اكتر بعد فيك



°°°°°°°°°°°°°°°°




هذا هو اللون الذي لا يظهر في التحليل الطيفي للضوء الابيض فلا يراه المبصرون اصلا , فقط يمكنهم الشعور بأثره ,


فكيف تصفه لغير المبصرين اذا ,


اذا شدت جارة القمر كيف يمكنك ان تختزل الامر في كلمات .


لذا سنفترض اننا نخاطب المبصرين فحسب .



* * * * * * *

منذ مايقرب من ستة اشهر وانا انوي كتابة مقال عن أحد الافلام لكن ببساطة يقف هانز زيمار بموسيقاه ليقول لي

" كيف ستتجاهلني اذا وكيف ستكتبني "

وبدا الامر - ومازال - محيرا للغاية ,


لكن مع فيروز الامر يختلف ,

الامر تجاوز الموسيقى او الغناء او المزج بينهما بمراحل ,

يمكنك ان تصف الامر - بضمير مستريح تماما - انه ارض جديدة لم يطأها بشري من قبل , جزر جديدة تماما , يحيا بها مخلوقات لم تبصرها عين من قبل , هواء جديد لم تستنشقه رئة من قبل , لحن لم تعزفه آلة من قبل ,


شدو لم يمر بحنجرة أحدهم من قبل ولم تسمعه أذن من قبل ,


كيف يمكنك ان تذوب عشقا بينما انت فقط لا تفعل شيئا سوى الانصات لأغنية سمعتها آلاف المرات ,

هذا ما يحدث عندما يمتزج صوتها بالموسيقى في تناغم لا مثيل له .



* * * * * * *



الحقيقة ان هناك علاقة لا افهمها بين الوتريات وصوت فيروز الرائع ,

بعد فترة ليست بالقليلة ستدرك انك غير قادر على فصل المخلوط السحري - الذي يطير بك في طبقات النشوة العليا - عن بعضه البعض ,

حتى انك قد تبدأ بسماع اوركسترا كامل يسري في اوصالك ناشرا خدرا لذيذا بمجرد ان تبدأ في دندنة كلمات اي اغنية لها بمفردك



°°°°°°°°°°°


عندي حلم فيك

عندي ولع فيك

وبيكفي

شو بدك انه يعني موت فيك



°°°°°°°°°°°°°°

صيف العام 1992 كنت لا اعي بعد ماذا تعني هذه الكلمات عندما اطلقها ابي لتعطر الهواء من حولنا للمرة الاولى ,

لكني ادركت بمرور الايام انها ترسبت بداخلي فلا استطيع منها فكاكا ,

كيف لطفل كبر على نغمات فيروز أن يتجاهل كل هذه الروعة عندما تنمو مداركه ويبدأ في إلقاء الأسئلة المرتبطة بوظائف أخرى للقلب ,


كيف قالت هذه الكلمات البسيطة بهذه الروعة يوما ما ولم ينتفض الكون واقفا ليلقي التحية ,


هذا شئ آخر لا افهمه ,


هل كنتم بكامل وعيكم عندما قالت ذلك لأول مرة ولم ينحرف مدار القمر طربا بما وصله من ارضنا من نغمات



* * * * * *

والله راح موت فيك

صدق اذا فيك

بيكفي

شو بدك مني اذا متت فيك


هنا تبدأ بالتسليم تماما بأنها تحدثك انت وتسلم لها بكل جوارحك مصدقا أو انك تبدأ بلوم ذلك المخاطب الذي لا يكفيه كل ذلك الحب الاعمى الذي لا يبغي سوى التصديق غاية ,

هنا ودون ان تشعر وبهدوء شديد الصخب تتصاعد نبرات صوتها بنفاذ صبر يلاقي في النفس هوى



معقول فيه اكتر

انا ماعندي أكتر

كل الجمل يعني عم تنتهي فيك

عندي ثقة فيك

وبيكفي



وتترك يدك في الوقت الذي لا تعرف فيه كيف تحلق منفردا وسط الاشجار الاعالية بينما يعزف الكون ذاته لحنا تحسبه لن ينتهي ابدا وتجد نفسك بشكل ما متورطا في توجيه نغماته لتوائم ما انت فيه بما انت فيه ,

إلى أن يظهر ذات الصوت الذي لم تعرف كنهه بعد ليوقظك من شرودك



حبيتك متل ما حدا حب

ولا بيوم راح بيحب

وانت شايفها عادية

ومش بها الاهمية

بجرب مابفهم شو علقني بس فيك



كيف تبلغ درجات السلام النفسي هذا الحد لمجرد سماع اغنية لكن ما انت فيه لايسمح بهذه الفلسفة حاليا

بينما تتلاحق انفاسك لاهثة وراء كل هذه الضربات الموجهة لوجدانك عابرة كل اوصال جسدك تباغتك بما كنت تخشى وجوده من اللحظة الاولى



بكتب شعر فيك

بكتب نثر فيك

وبيكفي

شو ممكن يعني اكتب بعد فيك



هنا لم تعد لك اي سيطرة على اي شئ يخصك



الان انت مهيأ كي تتصالح مع كونك للأبد

ربما انت لا تشعر بوجودك المادي اصلا

ربما صرت طيفا الآن

ربما انت مجرد نغمة موسيقية ذابت وسط هذا السيل المتدفق ,

فقط تبغي لو انك ترسو حيث تبغي فلا تضيع سدى في رحلة وجدانية لا تريد لها ان تنتهي .



اغرب ما في الامر ان تكتشف ان كل هذا لم يستغرق سوى اربعة دقائق , تنهيها بهدوء ريشة تحط بهدوء على جناح الريح آخذة أعمق انفاسك معها تاركة كل الثقة فيك

ما كل الجمل والحكي والكلام فيك

صباحكم جميل




أحمد حلمي


اسيوط


17 / 1 / 2014

0 التعليقات

دستور سبارتاكوس الأخير

مزج أول 



المجد للأغبياء 



لا أعرف تحديدا لماذا اعترض احدهم عندما كتبت قديما أن التاريخ لا يعيد نفسه لكنه يخرج لسانه للأغبياء , 

ربما لم يشاهد تاريخا يخرج لسانه من قبل , او ربما لم يشر أحدهم لذلك أو يلفت انتباه الجميع للحدث المتكرر دوريا , عموما نحن هنا اليوم لنقول ان هناك تاريخا اخرج لسانه على قارعة الطريق للجميع بما يعني ضمنيا ( صباح الغباء ) . 

منذ مايقرب من عام تقريبا كتبت مقالا يحكي عن ذات الحكاية ثم بعد انتهائي منه كان قد قرر لاوعيي مسبقا ان يكون له ذات عنوان مقال اليوم , لا اعرف لماذا عدلت عن ذلك وغيرت العنوان لكني لم أملك وقتها من الغضب ولا من الحيرة ولا من الحسرة ما املكه اليوم , ربما كنت قد قررت لا اراديا ان اترك شيئا ما ليقال في الغد , لم اتصور انه بعد عام كامل سأكتب ذات العنوان الذي عدلت عنه وقتها , 

انا اكتب لأسبوعين متتاليين , 

اكتب ذات كلام العام الماضي , 

اكتب اصلا بعد كل هذا العبث , يالها من كارثة , 

ما لفت انتباهي ايضا هو : الى متى ستظل هذه القصيدة تقفز في وجوهنا من حين لآخر , 

اه نسيت , 

غباء , 

اتضح انه آفة حارتنا الغباء . 

وحتى يأتي اليوم الذي نصير فيه شعبا من الاذكياء سيظل التاريخ يضحك ساخرا 



* * * * * * * * * * 

مزج ثان 



المجد للتاريخ 



في العام 2007 حدث لا ينسى 

فينزويلا , 

عندما اضطر الرئيس شافيز أن يجري استفتاءا على بقاءه في الحكم بصورة مطلقة ابدية قاطعا كل ألسن المعارضين ,( وكله بالصندوق )

متيقنا من النتيجة , واثق الخطى , يعرف جيدا القاعدة الفيزيائية التي تنص على أنه " يبقى الجسم الساكن ساكنا ويبقى الجسم المتحرك متحركا مالم تؤثر عليه قوة تغير من حالته " هي بالأساس سياسية . 
وبافتراض انعدام تلك القوة فإن اي استفتاء شعبي سيميل إلى البقاء على ذات الحال , لذا فقد قرر انه سيلعب اللعبة للنهاية مستخدما ذات احاديث الاستقرار والعجلة واستكمال الثورة . 



الحقيقة ان ما حدث كان تحدِِ صارخ لقوانين الفيزياء والحسابات السياسية , 

بطريقة ما تمكن التيار الرافض لحكم شافيز الأبدي أن يقنع الكتلة التصويتية الأعظم بأن تقول لا , وتم رفض المقترح بنسبة 59 بالمائة , 

ولست بحاجة لأن أقول أن الحملة التي كانت تحمل شعار " لا تعني لا " كانت لها كل الحرية في الترويج والدعاية لفكرتها والا ما كانت استطاعت ان تصبح قوة قادرة على تغيير حالة الساكن والمتحرك في بلد يعاني من الركود والبطالة والفقر وارتفاع معدل الجريمة , حتى ان الامر وصل لأنه كان متاح لهم نفس المساحة الاعلانية المتاحة لحملة الرئيس في تليفزيون الدولة . 



( اصلهم بلد متخلفة مش زينا ) 



* * * * * * * * * * 



مزج ثالث 



المجد للإستهبال 



ابريل 2013 

عند بداية ظهور كرة الثلج الغاشمة التي اطاحت شكليا بنظام الاخوان , 

تم القبض على اول من ظهر من حركة تمرد في شوارع محافظة سوهاج بواسطة اعضاء من الاخوان نفسهم وتسليمهم لأقرب قسم شرطة وعمل محضر ( مش عارف اخترعوا تهمة ايه وقتها بالظبط ) واحالتهم للنيابة , 

وبعرضهم على النيابة قرر وكيل نيابة قسم ثان سوهاج إخلاء سبيلهم واضاف في حيثيات قراره ان مايقومون به هو عمل مشروع وقانوني تماما وأن محاولة منعهم هو العمل الغير قانوني . 



نقطة ومن أول السطر , 

يناير 2014 


بدأت نيابة قصر النيل صباح الاربعاء الماضي التحقيق مع ثلاثة اعضاء في حزب مصر القوية بتهمة - خد بالك كده معايا يا عم ياللي ورا - " حيازة منشورات تحض المواطنين على التصويت بلا للدستور " 

احيه , 

عدم اللامؤاخذة يعني عارفين الأحيه , 

دا اسمه احيه , 
اصل مالوش اسم تاني 


كنت اظن ان لدينا ورقة فيها خياران , فلم جدوى الاستفتاء اذا لو كانت " لا " غير متاحة , 

لو كانت " لا " تصنف كتهمة المحرض عليها يواجه على الاقل خطر الاعتقال والبهدلة في الأقسام والعرض على النيابة , لم لا تنتهوا من دستوركم ثم تقرونه مباشرة وصدقوني لن يعبأ بكم أحد ولن يعترض أحد , 

اذا كان القانون يكفل للمواطن محاولة قلب نظام الحكم عادي جدا زي ما شوفنا فكيف اذا لا يتيح لنا اختيار ما لا يوافق هوى السلطة الحاكمة , 
ماذا لو ضبط احدهم يصوت بلا داخل احد اللجان التي ستكون مراقبة بالكاميرات بالطبع , 


هناك حد اقصى للإستهبال لايستطيع العقل البشري تحمله , 

تأمل معي لدينا مرشح مازال في السلطة أمام مرشح آخر يرنو الى ذات السلطة , فتصبح ملصقات دعاية المرشح الأخير عبارة عن منشورات تحض المواطنين على تعكير السلم العام , 

يا حلاوة , 

طيب وكنا بنعمل انتخابات ليه اصلا . 

صدق محمود درويش عندما قال على لسان الدكتاتور : 

" سأختار شعبي "





* * * * * * * * * * 



مزج رابع 

المجد للإخوان 

بالمرة يعني جت عليهم 

يناير 2013 

كان هناك اغنية لطيفة جدا اطلقها الاعلام الاخواني تقول بكل فجاجة " نعم نعم للدستور " 
وقتها كان الموضوع مثيرا للضحك والسخرية اكثر مما يثير الاهتمام , 
كنت لا افهم شيئا صغيرا جدا , 
( وانت مال اهلك ) 
لماذا لا تتركنا نقرر بأنفسنا , 
لم استطع وقتها تبين العلاقة بين نعم للدستور وقيام دعائم دولة الاخوان , ماذا لو انه لا , 
عادي جدا , 
ولا اي حاجة , 
ادينا قاعدين مع بعض لما نشوف اخرتها , 
ونعمله هو هو تاني وهاتوافقوا عليه برضه , 
لماذا كل هذا الضجيج والاغاني السخيفة والاعلانات الدستورية الضاغطة , واحاديث عن الجنة والنار , ومليونية الشريعة والشرعية وكل هذا الهراء , لماذا تحويل الامر الى حرب طائفية بين الاسلام في جهة والكفار في جهة أخرى بينما نتيجة المعركة غير حاسمة لأي شئ حتى يتم استنفاذ كل هذه القوة فيها , 
لكن هذه دولتهم وهذه لجنتهم وهذا منتجهم والغباء ديدنهم , 
حدثني اذا عن الدستور بتاع " نعم تعني نعم لمصر " 
دا على اساس ان لا يعني اسرائيل مثلا , 
طيب وسيادتك مصلحتك ايه , 
انت كده كده ماشي اصلا , 
لا ناقة لك ولا جمل , 
من المفترض ان هناك توافق على لجنة تمثل كل الطوائف - بعد إقصاء الإخوان - وتوافقت بنسبة كبيرة على تعديلات ( زي الفل ) لدستور 2013 المعيب , 
وسيادتك تدير العملية الانتقالية وهاتغور , 
ماذا يضيرك ب " لا " وماذا تنفعك " نعم " حتى تحارب من اجلها بتلك الضراوة . 

* * * * * * * * * * 

مزج أخير 
المجد للأي حاجة في أي حتة 

بصراحة لم أجد لها مسما آخر , لكن الامر سطع أمامي هكذا مجردا وبدا في قمة السخرية , 
سيزيف لم تعد على اكتافه الصخرة 
يحلمها الذين يولدون في مخادع الرقيق , 

فيلم قصير يظهر من عنوانه انه يدعو المواطنين للمشاركة في الاستفتاء , لكن محتواه يظهر انه يدعوهم للتصويت بنعم , الفيلم أسقط بين يدي سؤال مفاداه لماذا كل هذه الحرب على الدستور ومحاولة ايجاد مبررات للقمع وتهيئ الجو للتوتر ونشر لافتات استفزازية , والقبض على المعارضين , وخلق مسارات اجبارية للتحرك - عذرا - أقصد خلق مسار اجباري للتحرك من خلاله , ان كانت الكتلة التصويتية بالاصل تفكر بهذه الطريقة وان نسبة التصويت بنعم ستعود لما كانت عليه في العهود المباركية , ماذا لو راهن شافيز على نسب تصويت المصريين مثلا , لعرف أن قانون بقاء الطاقة مازال يعمل سياسيا في مصر ولكان ظل رئيسا ليوم يبعثون , 
نحن موافقون على اي شئ مقدما , 
نوافق ثم نفكر بعدين , 

دعنا من حقيقة ان المواطن المحتاج للثورة اصلا لايأبه لأي دساتير لا تصلح لأن يقدمها لأطفاله على العشاء لكننا نعرف جميعا ان السواد الاعظم سيذهب ليقول نعم على اي شئ ليخرج من اللاشئ الذي يعيشه ليذهب في لاشئ آخر لايعلمه , 
لا احد يلتفت الى كل ما سبق , 
كيف ان كل مايحدث حدث من قبل بينما الجميع يتظاهر بالنسيان , 
لا اعرف , 
ما اعرفه جيدا أن آفة حارتنا لم تعد النسيان 

دمتم في حفظ الله 

أحمد حلمي 

أسيوط 

10 / 1 / 2014

0 التعليقات

خيط العنكبوت


هذا عام جديد , 

من المفترض انه يحمل لنا بدايات جديدة وبالتالي آمال جديدة , او على الاقل خيبات جديدة , أي شئ جديد والسلام , 

كمولود جديد ربما يستبشر به اهل بيته خيرا أو على الأقل ينفرون منه لأي سبب كان , ربما كانوا ينتظرون ذكرا فبشروا بالانثى , 

ربما جاء المولود مشوها , 

ربما كان رائع الجمال , 

على الاقل سيثير قدومه دوامة من الأي شئ , 

لكن المفاجأة انه لم يلتفت اي شخص للحدث , كأنه لم يكن , 
لم يعبأ به احدهم على الاطلاق , 
ربما لم يعد أحدهم ينتظر أي شئ , 
مولود يأتي لا يعي شيئا مما يدور من حوله ليجد نفسه غير مرحب به على الاطلاق , بل لم يكترث احد بالترحيب او ابداء النفور من زائرنا الجديد , 

لم يفت احد العرافين بأنه سيكون ذو شأن عظيم , ولم يتنبأ أحدهم بأنه سيهدم ذات الشأن العظيم لسابقيه , بل لم يهتم أحدهم بأن يقرأ طالعه من الاساس , 

لسان حال الجميع يقول لماذا نرحب بأي شئ وكل ما يأتي هو الاسوأ ؟ 

كأن هناك حالة عامة من البلادة اصابت الجميع , 

لكن لهذا فوائده على كل حال , 

على الأقل لم يعد هناك من يود أن يقتل نفسه كمدا , أو من يبحث عن طريقة لإيقاف أجهزته الحيوية بلا ألم أثناء النوم فلا يصحو على كل هذا القبح , 
لقد صرنا نتنفس القبح لنحيا , 

على الرغم من اننا فطنا لسر اللعبة متأخرا بعد أن خسرنا الكثير إلا انه لابأس بذلك , أن نفهم متأخرا افضل من الا نفهم على الاطلاق , 

الحل السحري كي لا تتأذى من القبح هو أن تصبح جزءا منه , 

لاتنظر حولك , 

انا أحدثك انت . 

* * * * * * * * * * 

" تقول الأسطورة أن اي ذبابة تحترم نفسها عندما تقع في شباك أي عنكبوت يحترم نفسه فإنها تبذل قصارى جهدها في التخلص من الشرك , 

بعد فترة من المحاولة والمحاولة وتكرار المحاولة تفطن الذبابة أن كل محاولاتها تؤدي إلى المزيد من التورط لذا تكف عن المحاولة وتنتظر قدرها منهكة راضية " 

هذا ما حدث غالبا , نحن في مرحلة السكون التي سببها الانهاك وانتظار معجزة ما قد تجئ من اي مكان لا نعرف عن وجوده شيئا كأن تفكر ربة المنزل في حملة تنظيف مثلا بمناسبة العام الجديد فتهدم بيت العنكبوت وتحرر الذبابة قبل ان تصبح وليمة سهلة مستسلمة , 

آه , 

يبدو انني هنا قد حللت مشكلة الذبابة فقط . 

حسبت الامر واضحا , 
ابحثوا اذا عن من ينظف وطنكم من خيوط العنكبوت التي استكنتم في كنفها راضين , 

ها قد دللتكم على الطريق . 

( مش لازم اعمل كل حاجة بإيدي ) 

* * * * * * * * * * * 

في مثل هذه الأيام من العام الماضي جلست لأكتب مقالا لطيفا خفيفا أقول فيه بوضوح لا اوصيكم إلا فرارا , 

لخصت فيه كل المصائب والمعضلات والخيبات التي اصابتنا ونصحت الجميع بالفرار , 

واعلنت اعتزالي للسياسة والسياسيين شاعرا بمرارة الهزيمة , 

لم امكث في عزلتي طويلا وقتها , 

كل شئ كان يدعوا للتورط , 

او انني لم اكن قد فطنت بعد لحقيقة ان الخيوط صارت تلفني - وتلفنا جميعا - من كل جانب , 

الحقيقة ان ترف الفرار حتى لم يعد متاحا , لقد صرت جزءا من الواقع كما قلت لك مسبقا , الجميل أن الجميع تعلم كيف يتعايش مع الامر , 

ماذا يمكن أن يحدث اسوأ مما حدث , 

وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها , 

مايثير السخرية انك صرت مسؤلا أيضا , 

أيا كان موضعك , 
أيا كان موقعك , 
أيا كان موقفك , 
أيا كانت آراءك السابقة او الحالية فانت صرت مشاركا بشكل ما فيما آل إليه حالنا , لذا لاتتعجب ان ضبطت نفسك متلبسا بمحاولة تمرير الأيام خلسة دون خسائر , 

هذه حيلة قديمة يستخدمها كل المسؤلين في بلادنا وقت الأزمات , عملا بمبدأ " no news is good news " 

* * * * * * * * * * 

وهكذا , ذهب القرد يشكو إلى الأسد اضطهاد النمر له وكيف أنه كلما رآه مارا بقربه ضربه ضربا شديدا وحجته في ذلك ان القرد لا يرتدي حذاءا , 

كتم الأسد ضحكاته ووعده بأن ينظر في أمره على وجه السرعة , 

وهو ما قد كان , 

بعث الأسد الى النمر معاتبا اياه - ليس على اضطهاده للقرد طبعا - بل على سوء اختياره لحجة الحذاء كذريعة لضرب القرد , ونصحه بأن يطلب منه مثلا ان يأتيه بعنقود من العنب فإن أتاه بعنقود أحمر فليضربه بحجة انه كان يريده أصفرا وان اتاه بأصفر ضربه بحجة انه يريده أحمرا ,
لمعت عينا النمر وهرول لتوه لتجربة الحيلة الجديدة , وبينما يمر القرد به متوجسا ناداه , فجاء مرتابا يقدم خطوة ويأخر أختها , فقال له اريد عنقودا من العنب , تعجب القرد من الطلب الغريب وتعجب اكثر من تغير المعاملة المفاجئ فتجرأ بسؤاله مستفسرا عن نوع العنب الذي يريده إن كان أصفرا أم احمرا , 

فاشتاط النمر غضبا وقام بضربه وهو يقول له " انت مش لابس جزمة ليه " 

وهكذا ومع مرور السنوات 

مازالت كل حكايا البؤس مكررة في الوطن الغابة 

السؤال الذي لا نعرف إجابته هنا لا يتعلق بارتداء القرد للحذاء لكنه يتعلق بكيفية احتواء غضبته العاتية عندما يمل الحديث عن الاستقرار والعجلة والارهاب والمخططات ويقرر انه يريد الحياة فيموت . 

* * * * * * * * * * 

هذا المساحة مخصصة مسبقا للترحيب بالعام الجديد كما لم يتضح لكم عاليه , ربما لأنها طريقة مبتكرة بعض الشئ , 
طريقة وضع النقاط فوق الحروف , 
ليعرف كل منا موضعه جيدا , 
غادر السهم القوس منذ زمن بعيد , 
لم يعد بمقدورك التراجع او الفرار او حتى ابداء الندم , 
نبدأ عاما جديدا بلا أماني ولا مخاوف ولا حتى اعتراضات , 
فقط احساس مؤرق بالمسؤلية نحاول جميعنا تجاهله , 
في زمان آخر في ظروف أخرى كان هذا ليصنف انه مقال يدعو للإكتئاب لكنه اليوم لايحمل أي مشاعر من أي نوع منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام تسرع صديقي ياسر جميل فقال : 

أنا يا بلادي لست أقدر أن أزيلَ الهمَّ من وجه الصغار 
فالقيد مزروعٌ بكل ضفائرِ الاطفالِ 
مزروعٌ بأهداب النسا
والقيدُ عار 

أنا من يريد محرراً 

لأحررَ الفجرَ السجين وأجمعَ الماضي

المخبأ في سراديبِ الديار 

هو يا بلادي ليس خوفاً أن أكون مع العوام 

من يرقصون لصاحبِ السلطان
تجمهم حكايا ذلك اليومِ المهيبِ لسيفه حين الصدام 
ويهشهم صوت الرصاص 

هوليس خوفا أن أعيش علي الطريقِ بلا طريقٍ أو ثمن 

لكنه كان الوهن.....



ماذا كنا نعرف عن الهم والقيد والوهن وقتها , 

وماذا يمكن أن نقول اليوم اذا , 

لا شئ , 

لا شئ يقال , 

لا شئ غير الانتظار , 

" فتربصوا حتى يأتي الله بأمره " 



دمتم في حفظ الله 

أحمد حلمي 

أسيوط 

3 / 1 / 2014