خيط العنكبوت


هذا عام جديد , 

من المفترض انه يحمل لنا بدايات جديدة وبالتالي آمال جديدة , او على الاقل خيبات جديدة , أي شئ جديد والسلام , 

كمولود جديد ربما يستبشر به اهل بيته خيرا أو على الأقل ينفرون منه لأي سبب كان , ربما كانوا ينتظرون ذكرا فبشروا بالانثى , 

ربما جاء المولود مشوها , 

ربما كان رائع الجمال , 

على الاقل سيثير قدومه دوامة من الأي شئ , 

لكن المفاجأة انه لم يلتفت اي شخص للحدث , كأنه لم يكن , 
لم يعبأ به احدهم على الاطلاق , 
ربما لم يعد أحدهم ينتظر أي شئ , 
مولود يأتي لا يعي شيئا مما يدور من حوله ليجد نفسه غير مرحب به على الاطلاق , بل لم يكترث احد بالترحيب او ابداء النفور من زائرنا الجديد , 

لم يفت احد العرافين بأنه سيكون ذو شأن عظيم , ولم يتنبأ أحدهم بأنه سيهدم ذات الشأن العظيم لسابقيه , بل لم يهتم أحدهم بأن يقرأ طالعه من الاساس , 

لسان حال الجميع يقول لماذا نرحب بأي شئ وكل ما يأتي هو الاسوأ ؟ 

كأن هناك حالة عامة من البلادة اصابت الجميع , 

لكن لهذا فوائده على كل حال , 

على الأقل لم يعد هناك من يود أن يقتل نفسه كمدا , أو من يبحث عن طريقة لإيقاف أجهزته الحيوية بلا ألم أثناء النوم فلا يصحو على كل هذا القبح , 
لقد صرنا نتنفس القبح لنحيا , 

على الرغم من اننا فطنا لسر اللعبة متأخرا بعد أن خسرنا الكثير إلا انه لابأس بذلك , أن نفهم متأخرا افضل من الا نفهم على الاطلاق , 

الحل السحري كي لا تتأذى من القبح هو أن تصبح جزءا منه , 

لاتنظر حولك , 

انا أحدثك انت . 

* * * * * * * * * * 

" تقول الأسطورة أن اي ذبابة تحترم نفسها عندما تقع في شباك أي عنكبوت يحترم نفسه فإنها تبذل قصارى جهدها في التخلص من الشرك , 

بعد فترة من المحاولة والمحاولة وتكرار المحاولة تفطن الذبابة أن كل محاولاتها تؤدي إلى المزيد من التورط لذا تكف عن المحاولة وتنتظر قدرها منهكة راضية " 

هذا ما حدث غالبا , نحن في مرحلة السكون التي سببها الانهاك وانتظار معجزة ما قد تجئ من اي مكان لا نعرف عن وجوده شيئا كأن تفكر ربة المنزل في حملة تنظيف مثلا بمناسبة العام الجديد فتهدم بيت العنكبوت وتحرر الذبابة قبل ان تصبح وليمة سهلة مستسلمة , 

آه , 

يبدو انني هنا قد حللت مشكلة الذبابة فقط . 

حسبت الامر واضحا , 
ابحثوا اذا عن من ينظف وطنكم من خيوط العنكبوت التي استكنتم في كنفها راضين , 

ها قد دللتكم على الطريق . 

( مش لازم اعمل كل حاجة بإيدي ) 

* * * * * * * * * * * 

في مثل هذه الأيام من العام الماضي جلست لأكتب مقالا لطيفا خفيفا أقول فيه بوضوح لا اوصيكم إلا فرارا , 

لخصت فيه كل المصائب والمعضلات والخيبات التي اصابتنا ونصحت الجميع بالفرار , 

واعلنت اعتزالي للسياسة والسياسيين شاعرا بمرارة الهزيمة , 

لم امكث في عزلتي طويلا وقتها , 

كل شئ كان يدعوا للتورط , 

او انني لم اكن قد فطنت بعد لحقيقة ان الخيوط صارت تلفني - وتلفنا جميعا - من كل جانب , 

الحقيقة ان ترف الفرار حتى لم يعد متاحا , لقد صرت جزءا من الواقع كما قلت لك مسبقا , الجميل أن الجميع تعلم كيف يتعايش مع الامر , 

ماذا يمكن أن يحدث اسوأ مما حدث , 

وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها , 

مايثير السخرية انك صرت مسؤلا أيضا , 

أيا كان موضعك , 
أيا كان موقعك , 
أيا كان موقفك , 
أيا كانت آراءك السابقة او الحالية فانت صرت مشاركا بشكل ما فيما آل إليه حالنا , لذا لاتتعجب ان ضبطت نفسك متلبسا بمحاولة تمرير الأيام خلسة دون خسائر , 

هذه حيلة قديمة يستخدمها كل المسؤلين في بلادنا وقت الأزمات , عملا بمبدأ " no news is good news " 

* * * * * * * * * * 

وهكذا , ذهب القرد يشكو إلى الأسد اضطهاد النمر له وكيف أنه كلما رآه مارا بقربه ضربه ضربا شديدا وحجته في ذلك ان القرد لا يرتدي حذاءا , 

كتم الأسد ضحكاته ووعده بأن ينظر في أمره على وجه السرعة , 

وهو ما قد كان , 

بعث الأسد الى النمر معاتبا اياه - ليس على اضطهاده للقرد طبعا - بل على سوء اختياره لحجة الحذاء كذريعة لضرب القرد , ونصحه بأن يطلب منه مثلا ان يأتيه بعنقود من العنب فإن أتاه بعنقود أحمر فليضربه بحجة انه كان يريده أصفرا وان اتاه بأصفر ضربه بحجة انه يريده أحمرا ,
لمعت عينا النمر وهرول لتوه لتجربة الحيلة الجديدة , وبينما يمر القرد به متوجسا ناداه , فجاء مرتابا يقدم خطوة ويأخر أختها , فقال له اريد عنقودا من العنب , تعجب القرد من الطلب الغريب وتعجب اكثر من تغير المعاملة المفاجئ فتجرأ بسؤاله مستفسرا عن نوع العنب الذي يريده إن كان أصفرا أم احمرا , 

فاشتاط النمر غضبا وقام بضربه وهو يقول له " انت مش لابس جزمة ليه " 

وهكذا ومع مرور السنوات 

مازالت كل حكايا البؤس مكررة في الوطن الغابة 

السؤال الذي لا نعرف إجابته هنا لا يتعلق بارتداء القرد للحذاء لكنه يتعلق بكيفية احتواء غضبته العاتية عندما يمل الحديث عن الاستقرار والعجلة والارهاب والمخططات ويقرر انه يريد الحياة فيموت . 

* * * * * * * * * * 

هذا المساحة مخصصة مسبقا للترحيب بالعام الجديد كما لم يتضح لكم عاليه , ربما لأنها طريقة مبتكرة بعض الشئ , 
طريقة وضع النقاط فوق الحروف , 
ليعرف كل منا موضعه جيدا , 
غادر السهم القوس منذ زمن بعيد , 
لم يعد بمقدورك التراجع او الفرار او حتى ابداء الندم , 
نبدأ عاما جديدا بلا أماني ولا مخاوف ولا حتى اعتراضات , 
فقط احساس مؤرق بالمسؤلية نحاول جميعنا تجاهله , 
في زمان آخر في ظروف أخرى كان هذا ليصنف انه مقال يدعو للإكتئاب لكنه اليوم لايحمل أي مشاعر من أي نوع منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام تسرع صديقي ياسر جميل فقال : 

أنا يا بلادي لست أقدر أن أزيلَ الهمَّ من وجه الصغار 
فالقيد مزروعٌ بكل ضفائرِ الاطفالِ 
مزروعٌ بأهداب النسا
والقيدُ عار 

أنا من يريد محرراً 

لأحررَ الفجرَ السجين وأجمعَ الماضي

المخبأ في سراديبِ الديار 

هو يا بلادي ليس خوفاً أن أكون مع العوام 

من يرقصون لصاحبِ السلطان
تجمهم حكايا ذلك اليومِ المهيبِ لسيفه حين الصدام 
ويهشهم صوت الرصاص 

هوليس خوفا أن أعيش علي الطريقِ بلا طريقٍ أو ثمن 

لكنه كان الوهن.....



ماذا كنا نعرف عن الهم والقيد والوهن وقتها , 

وماذا يمكن أن نقول اليوم اذا , 

لا شئ , 

لا شئ يقال , 

لا شئ غير الانتظار , 

" فتربصوا حتى يأتي الله بأمره " 



دمتم في حفظ الله 

أحمد حلمي 

أسيوط 

3 / 1 / 2014 

0 التعليقات:

إرسال تعليق