فيروزيات كونية


مقدمة موسيقية مهيبة وقصيرة ومحببة للنفس من الوتريات موحية بجو المعابد الرومانية القديمة ,

تضعك بهدوء خاطف وسط حدث جلل لن ينتظرك لتتهيأ له بالقدر الكافي ابدا مهما فعلت ,

الى ان تنقشع كل الغيوم دفعة واحدة آخذة معها كل ما تبقى من انتباهك وانفاسك ودقات قلبك كذلك



°°°°°°°°°°°°



عندي ثقة فيك

عندي أمل فيك

وبيكفي

شو بدك يعني اكتر بعد فيك



°°°°°°°°°°°°°°°°




هذا هو اللون الذي لا يظهر في التحليل الطيفي للضوء الابيض فلا يراه المبصرون اصلا , فقط يمكنهم الشعور بأثره ,


فكيف تصفه لغير المبصرين اذا ,


اذا شدت جارة القمر كيف يمكنك ان تختزل الامر في كلمات .


لذا سنفترض اننا نخاطب المبصرين فحسب .



* * * * * * *

منذ مايقرب من ستة اشهر وانا انوي كتابة مقال عن أحد الافلام لكن ببساطة يقف هانز زيمار بموسيقاه ليقول لي

" كيف ستتجاهلني اذا وكيف ستكتبني "

وبدا الامر - ومازال - محيرا للغاية ,


لكن مع فيروز الامر يختلف ,

الامر تجاوز الموسيقى او الغناء او المزج بينهما بمراحل ,

يمكنك ان تصف الامر - بضمير مستريح تماما - انه ارض جديدة لم يطأها بشري من قبل , جزر جديدة تماما , يحيا بها مخلوقات لم تبصرها عين من قبل , هواء جديد لم تستنشقه رئة من قبل , لحن لم تعزفه آلة من قبل ,


شدو لم يمر بحنجرة أحدهم من قبل ولم تسمعه أذن من قبل ,


كيف يمكنك ان تذوب عشقا بينما انت فقط لا تفعل شيئا سوى الانصات لأغنية سمعتها آلاف المرات ,

هذا ما يحدث عندما يمتزج صوتها بالموسيقى في تناغم لا مثيل له .



* * * * * * *



الحقيقة ان هناك علاقة لا افهمها بين الوتريات وصوت فيروز الرائع ,

بعد فترة ليست بالقليلة ستدرك انك غير قادر على فصل المخلوط السحري - الذي يطير بك في طبقات النشوة العليا - عن بعضه البعض ,

حتى انك قد تبدأ بسماع اوركسترا كامل يسري في اوصالك ناشرا خدرا لذيذا بمجرد ان تبدأ في دندنة كلمات اي اغنية لها بمفردك



°°°°°°°°°°°


عندي حلم فيك

عندي ولع فيك

وبيكفي

شو بدك انه يعني موت فيك



°°°°°°°°°°°°°°

صيف العام 1992 كنت لا اعي بعد ماذا تعني هذه الكلمات عندما اطلقها ابي لتعطر الهواء من حولنا للمرة الاولى ,

لكني ادركت بمرور الايام انها ترسبت بداخلي فلا استطيع منها فكاكا ,

كيف لطفل كبر على نغمات فيروز أن يتجاهل كل هذه الروعة عندما تنمو مداركه ويبدأ في إلقاء الأسئلة المرتبطة بوظائف أخرى للقلب ,


كيف قالت هذه الكلمات البسيطة بهذه الروعة يوما ما ولم ينتفض الكون واقفا ليلقي التحية ,


هذا شئ آخر لا افهمه ,


هل كنتم بكامل وعيكم عندما قالت ذلك لأول مرة ولم ينحرف مدار القمر طربا بما وصله من ارضنا من نغمات



* * * * * *

والله راح موت فيك

صدق اذا فيك

بيكفي

شو بدك مني اذا متت فيك


هنا تبدأ بالتسليم تماما بأنها تحدثك انت وتسلم لها بكل جوارحك مصدقا أو انك تبدأ بلوم ذلك المخاطب الذي لا يكفيه كل ذلك الحب الاعمى الذي لا يبغي سوى التصديق غاية ,

هنا ودون ان تشعر وبهدوء شديد الصخب تتصاعد نبرات صوتها بنفاذ صبر يلاقي في النفس هوى



معقول فيه اكتر

انا ماعندي أكتر

كل الجمل يعني عم تنتهي فيك

عندي ثقة فيك

وبيكفي



وتترك يدك في الوقت الذي لا تعرف فيه كيف تحلق منفردا وسط الاشجار الاعالية بينما يعزف الكون ذاته لحنا تحسبه لن ينتهي ابدا وتجد نفسك بشكل ما متورطا في توجيه نغماته لتوائم ما انت فيه بما انت فيه ,

إلى أن يظهر ذات الصوت الذي لم تعرف كنهه بعد ليوقظك من شرودك



حبيتك متل ما حدا حب

ولا بيوم راح بيحب

وانت شايفها عادية

ومش بها الاهمية

بجرب مابفهم شو علقني بس فيك



كيف تبلغ درجات السلام النفسي هذا الحد لمجرد سماع اغنية لكن ما انت فيه لايسمح بهذه الفلسفة حاليا

بينما تتلاحق انفاسك لاهثة وراء كل هذه الضربات الموجهة لوجدانك عابرة كل اوصال جسدك تباغتك بما كنت تخشى وجوده من اللحظة الاولى



بكتب شعر فيك

بكتب نثر فيك

وبيكفي

شو ممكن يعني اكتب بعد فيك



هنا لم تعد لك اي سيطرة على اي شئ يخصك



الان انت مهيأ كي تتصالح مع كونك للأبد

ربما انت لا تشعر بوجودك المادي اصلا

ربما صرت طيفا الآن

ربما انت مجرد نغمة موسيقية ذابت وسط هذا السيل المتدفق ,

فقط تبغي لو انك ترسو حيث تبغي فلا تضيع سدى في رحلة وجدانية لا تريد لها ان تنتهي .



اغرب ما في الامر ان تكتشف ان كل هذا لم يستغرق سوى اربعة دقائق , تنهيها بهدوء ريشة تحط بهدوء على جناح الريح آخذة أعمق انفاسك معها تاركة كل الثقة فيك

ما كل الجمل والحكي والكلام فيك

صباحكم جميل




أحمد حلمي


اسيوط


17 / 1 / 2014

0 التعليقات:

إرسال تعليق