هدى - قصة قصيرة


.

تحفظ قدماها الارصفة ,
لذا , لم يضطرها الزحام عندما اسدلت غطاء رأسها على وجهها كي تعيد تعديل وضعه - كما ودت من داخلها ان تعدل اوضاعا كثر اضناها طول الميل - أن تتوقف .
تحت شمس الظهيرة القائظة وبسنوات عمرها التي تجاوزت اصابع اليد الواحدة بقليل كانت تعرف وجهتها جيدا , واصلت سيرها بين المسافرين فلم يمنع عيناها ما غطاهما من إبصار الدرب كما منعت أثار الزمن التي تتابعت على جمال ثوبها من رؤية الحاضر ,
عاندتها على غير ما انتظرت نسمات الظهيرة النادرة فأخرت عملية الهندمة - المحدودة الاثر - وزادتها تعقيدا لكنها ما اثنتها ولا اعاقتها عن مسارها المرسوم سلفا .

توقفت قدماها تلقائيا في الموضع المنشود بينما كانت يداها الدقيقتان تواصلان ما بدأتاه منذ برهة مضافا اليه مقاومة رياحا كثر اهونها ما هب منذ قليل ,
ما لم تحسب له حسابا - وسط كل هذا الصخب - انني كنت أرقبها من البداية .

عندما اطل وجهها - الذي لم تفلح الاوضاع المائلة ولا شمس الظهيرة ولا الرياح المفاجئة ولا حتى آثار تتابع الزمن الغاشم في اخفاء جماله الهادئ - من تحت غطاء رأسها ورفعت عينيها وهمت بتأدية حركات آلية - باغتت بها كل المسافرين لتلفت انتباههم - كنت هنالك انتظر .

لثانية او لجزء منها اعتلت وجهها نظرة ارتباك من أخل بمتطلباته الوظيفية , كمذيعة اكتشفت انها على الهواء بينما كانت - لاتزال - تعدل من زينتها , تحركت مقلتاها بقلق دفين ثم غمرت وجهها وقلبي والرصيف والحقائب والمسافرين والقطارات وشمس الظهيرة ورياح الزمن بأروع ابتسامة خجل ممكنة , وأجابت بصوت هامس - عندما سألتها عن اسمها - قبل ان تأخذ القليل مغموسا بكل تعاطفي معها وترحل
" هدى "


أحمد حلمي

أسيوط

10/6/2014

0 التعليقات:

إرسال تعليق