كتاب غير ثابت المحتوى


نسبية الحكي
ككل شئ غير ثابت - تقريبا - هذا كتاب يثبت عمليا خطأ الخواجة اينشتاين بخصوص عدم احتواء نظريته بندا ينص على نسبية العمل الادبي بين القارئ والمؤلف والابطال , هل مرت بأحدكم عبارة " عيد غير ثابت التاريخ " من قبل - هذا عنوان مجموعة قصصية لأرنست همنجواي بالمناسبة - عندما قرأتها للمرة الأولى أثارت ضحكاتي ثم دهشتي منها عندما اكتشفت حقيقة وجود أعياد تتحرك بين الايام .
كتابنا يسير على نفس المنوال عسير التصديق لكنه موجود على كل حال , وواقعي بالمناسبة ,
هذا كتاب غير ثابت المحتوى , غير ثابت الواقع , غير ثابت الاحداث , غير ثابت الحقائق , فقط هو ثابت الزمان , ثابت المكان , ثابت المؤلف , لابد من أشياء لنرتكز عليها والا ضاع كل شئ .

****************************************
توطئة

يبدو انني دخلت في الموضوع مباشرة دون ان نضع خطوطا عريضة لنفهم كل شئ ,
مرحبا بكم مجددا ,
هذا انا في ثوبي الجديد القديم ,
هذا انتم مازلتم تقرأون لي - لحسن الحظ -
هذه سلسلة " كتاب قرأته " القديمة والتي يعرف بها القليلون .
هناك اتفاق عام ان نرتاح ولو قليلا من السياسة ,
لمن لا يعرف
السلسلة بدأت منذ حوالي اربعة سنوات بقراءة نقدية لرواية " يوتوبيا " ل د . أحمد خالد توفيق ثم اتبعتها بأخرى لرواية " ملائكة وشياطين " ل دان براون ثم أخيرا كتاب " ماذا حدث للمصريين " ل د . جلال أمين ثم غرقت في غمار المقالات السياسية الاسبوعية حتى ابتلعتني وكنت اظنني لن اجد منها فكاكا .
عندما قررت الفرار لم اجد إلا رواية " السنجة " ل د . أحمد خالد توفيق لأهرب إليها لأسباب تتعلق بالاعتياد والالفة وقربها من الواقع الذي غادرته توا ,
اظن ان المقال الآن أصبح ثابت التاريخ والجغرافيا , اتمنى ان تنال السلسلة القديمة الجديدة اعجابكم .
*********************************
توصيف وتصنيف

الكتاب عبارة عن رواية من الحجم المتوسط - 266 صفحة - صدرت في اكتوبر 2012 عن دار بلومزبري القطرية - ودا عادي ماتستغربوش لأن سوق النشر المصري واقف ولازم دلوقتي تدفع لدار النشر عشان تنشرلك -
الرواية من حيث التصنيف من الممكن ان نلصقها بشئ من سعة الافق الى عالم الادب الواقعي او من الممكن ان تكتب على غلافها " مأخوذ عن احداث حقيقية " في حين أن المؤلف حاول أن يوحي لنا عن طريق غلافه الاخير بأننا بصدد رواية بوليسية وأن يحصر عقولنا في إطار البحث عن قاتل مجهول وهو مالم يحدث اطلاقا هذه ابعد ما يكون عن ذلك , ربما كانت رحلة بحث عن وطن , وهو إن كان عمل بطولي فإنه ليس بوليسيا .
هذه هي الرواية الثانية للمؤلف خارج اطار السلاسل الدورية بعد يوتوبيا .
الرابط بينهما انه إن كانت يوتوبيا تحمل تصور لمستقبل مصر المظلم فإن السنجة تحمل تصور لواقع مصر الحزين حاليا او هي محاولة لرصد الواقع في مرحلة ما مهمة من تاريخ الوطن .
الرواية لازالت جديدة في السوق ولم يقرأها الكثيرين لذا سأحاول عرضها دون حرق الاحداث ,
مهلا ,
انا لا اصدق ,
أنا اكتب عن كتاب مجددا ,
مرحى ,
اذا سأكرر جملتي الخالدة ,
الكتابة عن كتاب عبارة عن عالم رائع ينقل اليه الكاتب قارئه الذي لم يحظ - بعد - بمعرفة كتاب قيم آخر .
انا انتمي الى هنا .

**************************************
الرجل الذي فقد ثورته

هذا تنويع ساخر على
العنوان الاصلي الشهير لفيلم سنيمائي بعنوان " الرجل الذي فقد ظله " المأخوذ عن رواية لفتحي غانم بنفس العنوان , الرواية صدرت في عدة اجزاء يحكي كل جزء منها ذات الاحداث ولكن من وجهة نظر مختلفة في كل مرة , في كل مرة يتغير الراوي , في كل مرة بطل جديد ,
ما حدث في روايتنا هو شئ مماثل ولكن في رواية واحدة رواية واحدة متعددة الابطال يحكي كل منهم الاحداث من وجهة نظره وعليك انت تجميع الخيوط وتبين الحقيقة لأن هناك تباين في الروايات
اتفقنا على نظرية المحتوى النسبي المتغير
الكتاب يحمل تقنية غير معتادة في الحكي - اعجبتني انا شخصيا - تجعلك انت حاضرا بذهنك طول صفحات الرواية تجمع وترتب وتفند وتقارن الروايات وتحلل الاحداث .
هناك فراغات تركها المؤلف عمدا لتتجول انت فيها بحرية.
المؤلف ذاته يذكر عيوب ذلك - بخبث - في روايته فيقول عندما تظفر بعدة رواة لذات الحدث فإنك تحصل على مايشبه لعبة امريكية اسمها الهاتف الصيني حيث يحكي اللاعب الاول قصة ما همسا للاعب الثاني فيحكيها همسا للثالث فالرابع فالسابع فالعاشر ويحكيها اللاعب الاخير علنا فيكتشف الجميع انها قصة مختلفة تماما لم يحكها اي منهم ,
هذا ما حدث تقريبا ,
ما علاقة ذلك بالثورة ؟
الاجابة ببساطة انهم يروون تلك الحقبة منذ نهاية 2010 وبداية 2011 .
المؤلف يقول في مقدمة روايته ان كل محاولات كتابة رواية عن الثورة المصرية باءت بالفشل لأن الواقع يغير وجهته كل ثلاث دقائق تقريبا ربما لو غبت عن الوعي لمدة يومين متتاليين ستعود غير فاهم ولا مدرك لأي شئ فيصبح العمل بعد سنة لا معنى له , ربما لهذا السبب لجأ لرواة متعددين ,
هذه حيلة جيدة من المؤلف للهروب من معضلة الكتابة عن واقع غير ثابت الاتجاه .

*********************************
المحتوى الروائي

على غرار مكندو والاماكن التي ليس لها وجود الا في عقل المؤلف الرواية تحكي عن منطقة عشوائية ملاصقة لقضبان السكة الحديد - في الغالب هي البطل الحقيقي - ليس لها وجود في ارض الواقع يحاول كاتب روائي فاشل ان يندمج بين اهلها ليقدم عمل روائي عن بيئة غير مطروقة ليفاجأ بازدراء ذاك العالم له وعدم قبوله بينهم ,
المنطقة العشوائية تلخص كل مصائب مصر بطريقة او بأخرى ستجد بينهم الموظف البائس ,البلطجي ,تاجر المخدرات , المريض النفسي , فتاة الليل , والخريج الذي أُغلقت كل الابواب في وجهه , الشاب الغارق في الادمان , الفتاة التي تعمل في خمس وظائف تقريبا , الرجل الذي يعيش في الكابوس او يحلم بالواقع لا تعرف تحديدا ,
ذات الحياة الكئيبة الرتيبة المملة , ذات الوضع الموشك على الانفجار , ذات الايام القاتمة اللون التي تميز السلوك البشري لمجموعة من المساجين , حتى لتشعر ان الجميع موشك على قتل الجميع انتقاما من شئ لا يعرفون كنهه , هناك كائن هلامي في مكان ما تسبب في ما هم فيه لكنهم غير قادرين على الظفر به ,
ثم ببساطة قامت الثورة , فوجد كل منهم ما يفرغ فيه طاقة الغضب التي اختزنها بتعاقب سنوات القهر .
ربما أمل كل منهم في وضع افضل , ربما ظنوا انهم سيعوضون خيرا كما ظن الجميع وهو مالم يحدث على كل حال .
تعدد الابطال وتباين ملامحهم سمح بوجود نماذج كثيرة قد تستميل القارئ وتقربه فيجد نفسه داخل الرواية دون ان يشعر ,
الرواية تبدأ من نهايتها بمشهد انتحار فتاة امام القطار - اجاد المؤلف رسمه ببراعة - بعد كتابة كلمة ما على الحائط ثم تبدأ الاحداث تتكشف تدريجيا حتى تتضح القصة والكلمة المكتوبة او لا تتضح حسب قدرتك على تجميع الخيوط ,
الرواية تقول بوضوح وبصوت عال
لم يتغير شئ .

بقى نقطتين اراهما شديدتي الاهمية ,
الاولى هي استخدام المؤلف للغة جديدة ظل يتحاشاها لسنوات عدة في
كتاباته ولكنها تقريبا ملائمة للجو والمكان والزمان والمستوى الثقافي للأبطال , لاتتوقع ان تسمع حوارا راقيا عميقا في منطقة اسمها " دحديرة الشناوي " .
النقطة الثانية
هي شخصية إبراهيم ابو غصيبة التي تنتهي الرواية دون ان تفهمها او تجد لها تفسير , لاتعرف ان كان يحيا بينهم كرجل معدم مريض لا يعترف بواقعه بينما هو يحلم بعالم رائع او ان كان يحيا كمليونير تراوده كوابيس عن حارة معدمة وامراض يعانيها وعيشة تقرف .
وتتأرجح الرواية بين الشخصيتين حتى تنتهي دون ان تعرف الحقيقة .
الرواية محاولة جيدة لالتقاط صورة حية لحقبة زمنية مهمة للغاية اضافت لأعمار من عاصرها اعمارا اخرى وتجارب يصعب تكرارها .
الرواية اعتبرها نقطة تحول في أدب د . أحمد خالد توفيق ومحاولة تلخيصها يضر بها بكل تأكيد , لذا انصح بقراءتها في اقرب فرصة .

دمتم في حفظ الله

.

.

.

أحمد حلمي

أسيوط

11 / 1 / 2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق