كتاب لم أحب أن أقرؤه مرتين

عادة انا لا اقرا اي كتاب مرتين في نفس الفترة الزمنية مهما كان محتواه ,لا بد ان تمضي فترة زمنية لابأس بها حتي اجد الاستعداد النفسي لان اقرا نفس الكتاب مره اخري لكن الامر هنا يختلف لاني عندما انتهيت وجدتني غير مصدق لما قرأت .. غير مصدق لما حدث .. غيرمصدق لما يحدث .. غير مصدق لما قد يحدث . نوع من الشرود الذهولي .. كأن تنام في بيتك وسط اهلك فتصحو في صحراء قاحلة وسط اناس لا تعرفهم فتتمني ان تكون مازلت نائما وان كل هذا ليس الا حلما مزعجا لا اكثر . لهذا وجدت نفسي اقرأ الكتاب للمرة الثانية في نفس الاسبوع لأتأكد ان ما يحدث ليس حلما متحملا كل تلك المعاناه التي واجهتها في المره الاولي و.... اسف اطلت عليكم الكتاب هو رواية " يوتوبيا " للدكتور احمد خالد توفيق , الرواية في 192 صفحة واحتلت المرتبة الثانية في قائمة افضل الكتب مبيعا عام 2008 بداية .. لفظة يوتوبيا هو مفهوم فلسفي يعني المكان الذي يبدو كل شئ فيه مثاليا وكل شرور المجتمع كالفقر والظلم والمرض غير موجودة وقد ظهر هذا المفهوم لاول مرة في كتاب يحمل نفس العنوان من تاليف السير توماس مور عام 1516 ويدل المفهوم علي المكان المثالي والحضارة وبالاخص في الجوانب الاجتماعيه والسياسية والفكرة ترجع لكتاب " المدينة الفاضلة " لافلاطون أيبدو الامر مبشرا . . . لنكمل اذا المؤلف يبدأ روايته بتنويه بأن الموضع المذكور في الرواية موضع تخيلي وأن الاشخاص المذكورين هم ايضا كذلك وان كان المؤلف يتوقع ان ذلك المكان سيكون موجودا عما قريب . ثم هناك ابيات شعر مترجمة للشاعر " إليوت " تنتهي ب " والذي مازال يضحك ... لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب .. أي زمن هذا " ثم تبدأ أحداث الرواية بمشهد قتل لمتسلل لا نعرفه هناك ايضا اثنان من المشاهدين لا نعرفهم ثم شخص يروي كلاما غير مفهوم عن حياته المملة لتكتشف بعد اربع صفحات انك في مصر وتقريبا في عام 2023 وان الوضع اصبح كالتالي : ولكن عن اي وضع اتحدث وانا لا اري وضعا علي الاطلاق لقد انفجر الوضع وتلاشي ذلك الشئ المسمي بالطبقة الوسطي والتي شبهها المؤلف بأقطاب الجرافيت في قلب المفاعل والتي تعمل علي تهدأة التفاعل , لقد حدث استقطاب في المجتمع بشكل مؤسف ومبالغ فيه اغنياء اتخذوا لأنفسهم مستعمرة تم انشاءها علي الساحل الشمالي واسموها يوتوبيا وتم جمع كل شئ فيها مع نظام حراسة صارم حتي لا تدخل الحشرات اقصد الفقراء -باقي سكان المحروسة- الا بتصريح خاص وغالبا لاعمال الخدمة والاعمال الشاقة . يوتوبيا حيث كل شئ متاح كل شئ موجود كل شئ متوفر . ثم ماذا عن خارج اسوار يوتوبيا ؟ نعم ان ما توقعته صحيح لك بصورة مبالغ فيها لدرجة يصعب تصديقها لا يوجد اي شئ علي الاطلاق ,لا وجود لأي شئ من مقومات الحياة لقد صارت خرابا ومع ذلك مازالوا هناك , مازالوا يعيشون , مازالوا يعيشون , يتكاثرون , يأكلون , يشربون - لن تصدق ما يأكلونه - ينامون بل ويستمتعون بحياتهم تلك لا أعرف كيف تضخم . . . . . . مصطلح اقتصادي يعبر عن حالة اقتصادية هي بإختصار فقدان العملة المحلية لقوتها الشرائية نتيجة لقلة الناتج المحلي بمعني انك لن تجد ماتشتريه بنقودك فتصبح عديمة القيمة هذا هو الوضع بالخارج علبة الكبريت بخمسين جنيه -دا لو لقيتها - فقر شديد بالمقابل هناك امام اعينهم غني فاحش لذا فهم حاقدون للغاية الرواية ليس لها بطل بل اثنان واحد من داخل يوتوبيا والاخر من خارجها شابان في نفس السن تقريبا تتأرجح الرواية بينهما لتحتار من البطل حقا ؟ يجمع بينهما انهما كانا كثيري القراءة في مجتمعين مختلفين يجمع بينهما انه لاقيمة للكتاب حتي ان احدهما يقول عن الاخر ان الخروف عندما يعرف اكثر يصير خطرا علي نفسه وعلي الاخرين ثم يضيف ان الثقافة ليست دينا يوحد الشعوب ويؤلفها بل هي علي الارجح تفرقها لأنها تطلع المظلومين علي مقدار ما وقع عليهم من ظلم وتطلع المحظوظين علي ما هم فيه و مقدار ما يمكن ان يفقدوه . لكن ما رأ ي كل من البطلين في الوضع القائم ؟ يقول البطل الغني ان هناك خلل اجتماعي حدث ادي الي ما نحن فيه ولكنه خلل يجب ان يستمر وكل من يحاول الاصلاح يجازف بأن نفقد كل شئ اما البطل الفقير فيقول انه لايعرف متي ضاع كل شئ الامر يشبه مراقبتك للشمس ساعة الغروب لاتعرف ابدا متي انتهي النهار وبدأ الليل متي بهت الضوء وبردت الاشياء لايمكن ان تمسك لحظة بعينها وتقول هنا كان النهار وهنا جاء الليل فقط أذكر ان الامور كانت تسوء بلا انقطاع , في كل يوم كان الفارق بين امس واليوم طفيفا لذا ينام المرء كل يوم وهو يقول مازالت الحياة ممكنة اذا فليكن الغد . . . ثم تصحو يوما لتجد ان الحياة صارت مستحيلة وأنك عاجز عن الظفر بقوت غد أو مأواه متي حدث هذا ؟ تسأل نفسك فلا تجد إجابة لكن ما رأي كل منهما في مجتمعه ؟ البطل الغني يتلخص رأيه في الجمله الاتية " إن الاصل في المتعة هو الندرة والتحريم فماذا لو ان كل شئ مباح ومتوفر " لذا فهم فقدوا متعة كل شئ لذا فالحياة صارت مملة للغاية يقول انك عندما تخترق اخر حدود التعقل فانك تشعر بأن التعقل يمتدليضم لنفسه حدودا اخري يسيطر عليها الاعتياد والملل والرتابة " لذا فأنت تبحث عن اي جديد لتملأ حياتك لذا فهم اتجهوا للصيد ستسأل وما الجديد في الصيد الجديد انهم يصطادون بشرا نعم بشر من الفقراء في الخارج لمجرد التسلية وملئ الوقت يستحلون دماء البشر مرحبا بك في يوتوبيا . البطل الفقير يقول ان بوسعه ان يعيش من دون مأكل أو مشرب أو بيت أو اسرة أو ملابس أو وظيفة أو اصدقاء كل هذا يمكن الاستغناء عنه لكنه لا يحتمل الحياة بلا احلام . . ان تنتظر شئ . . ان تأمل في شئ . . أن تتلقي وعدا بشئ . . لكنه ادرك ان عليه ان يحيا بلا أحلام لانه لن يكون هناك أي شئ علي الاطلاق لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد , حياتك عبارة عن حاضر طويـيــيــيــيــيــيــيــيــل ممل لقد سرقوا منك مستقبلك . الاديان . . . . ماذا عنها . . . . كدت انسي ذلك . . . .في الداخل مازال الكبار يحافظون الي حد ما علي وجوده وتجد رحلات الحج والعمرة بالالاف كل عام لأنهم يخافوا بين لحظة واخري ان يفقدوا كل شئ لأنهم شاهدوا الامس وشاهدوا ما وصلوا اليه اليوم ولا يدرون ما الذي سيحدث غدا أما الشباب الذين ولدوا في هذا النعيم فلا يؤمنون بأي شئ غير ما هم فيه لأنهم لم يروا غيره في الخارج مازالوا محافظين علي الدين الي حد ما لان فكرة ان ان تفقد كل شئ في الدنيا وفي الاخرة ايضا فكرة مزعجة حقا . الحدث الرئيسي في الرواية عندما خرج البطل الغني وصديقته في رحلة صيد وحدث اللقاء بين الطلين في الخارج والان انا اعرف من انت ولما جئت الان انت في ارضي والصياد اصبح فريسة انت جئت لتقتلني والان انا يمكنني ان ....... ولكن لا . . . هذا لن يحدث لا اريد دماء ان اخلاقي لاتسمح , يمكنك الان ان تقول لي وانت تضحك ان القضية ليست لها اي علاقة بالاخلاق انهم انتصروا عليك نفسيا انت لا تستطيع ان تؤذيهم انت حشرة امامهم , انا لا ابالي بما تقول لسوف احميهم هنا الي ان يعودوا من حيث اتوا من دون دماء . وقد كان حماهم اواهم اعادهم وعلي الرغم من ذلك فقد قتله البطل الغني وقطع يده واخذها معه كنوع من التذكار او كإثبات لرحلة لن يصدقها احد . لنستمع الان لتبرير البطل الغني لما فعله انه يتسائل في اكثر من موضع تساؤل يحمل نفس المعني لماذا هم مصرون علي الحياة ما الذي لم يحققوه فيما مضي من عمرهم ويأملون ان ان يحققوه ماذا لوقمت الان وهددت احدهم بسكينا ؟ علي الارجح سيقاومني حتي الموت لماذا كل هذا الحرص علي الحياة لو كنت مكانه لتركته يقتلني فلابد للمقاومة ان تتناسب مع مقدار ما تدافع عنه وهو لايري لحياتهم بهذا الشكل اي قيمة . وكعادة الدكتور احمد خالد توفيق وولعه بالنهايات المفتوحة تركنا نتخيل ما سيحدث بعد هجوم الجموع الغاضبة علي يوتوبيا . نترك الاحداث لأتحدث عن اسلوب المؤلف الذي تخلي عن حوالي ثمانون بالمائة من اسلوبه الساخر الذي يميزه فقط لان الجو النفسي لا يسمح لذا ان كنت من قراءه فستشعر حتما بالغربة وان اسم المؤلف وضع بالخطأ غالبا علي غلاف الكتاب كما يعتمد أحمد خالد توفيق في بعض المواطن بشكل صريح على إحصائيات علمية وتقارير مثل تقرير للدكتور أحمد عكاشة عن الإدمان في مصر وتقرير صحفي في ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان عن جرائم العنف ضد النساء وأيضا على موقع مصراوي كواحد من مواقع الانترنت ويظهر الشاعر عبد الرحمن الابنودى بأشعاره السياسية والوطنية على صفحات الرواية لكن الرواية كعمل ادبي يحمل نبوءة لابأس به علي الاطلاق خاصة فيما يتعلق بالبطل الغني ان استمالة القارئ وإشراكه وتوريطه في العمل الادبي هي من مؤشرات نجاحه وخلوده وذلك لايحدث الا بتقريب البطل وملامحه ونوازعه ونزواته من القارئ وترك القارئ ملتبسا بشعور مبهم بأنه ينتمي الي هذه الشخصية بشكل ما ان يحدث هذا مع البطل الفقير فما اسهله لكن ان تتعاطف مع ذلك المتعجرف اليوتوبي انه لشئ عسير حقا ز اود ان اختم بتلك الكلمات علي الغلاف الاخير والتي اختارها المؤلف من علي لسان البطل الفقير لتكون عنوانا للرواية يقول : هأنتم أولاء يا كلاب قد انحدر بكم الحال حتى صرتم تأكلون الكلاب !.. لقد أنذرتكم ألف مرة..حكيت لكم نظريات مالتوس وجمال حمدان ونبوءات أورويل وهـ.ج. ويلز.. لكنكم في كل مرة تنتشون بالحشيش والخمر الرخيصة وتنامون الآن أنا أتأرجح بين الحزن على حالكم الذي هو حالي، وبين الشماتة فيكم لأنكم الآن فقط تعرفون.. غضبتي عليكم كغضبة أنبياء العهد القديم على قومهم، فمنهم من راح يهلل ويغني عندما حاصر البابليون مدينته.. لقد شعر بأن اعتباره قد تم استرداده أخيرًا حتى لو كانت هذه آخر نشوة له.. إنني ألعنكم يا بلهاء ألعنكم لكن ما أثار رعبي أنهم لا يبالون على الإطلاق.. لا يهتمون البتة.. إنهم يبحثون عن المرأة التالية ولفافة التبغ التالية والوجبة التالية ولا يشعرون بما وصلوا إليه . أحمد حلمي

0 التعليقات:

إرسال تعليق