إلى أن يجيب العدم



في بداية مقال الجمعة الماضية ذكرت أنه ربما يكون مقالي الأخير ، لم أكن أمزح ، كنت بالفعل على وشك إتخاذ قرار بالإمتناع تحت تأثير حالة من القرف أورثتني سؤالا مفاداه : لم تكتب ولن يتغير شئ ؟
بعد نشر المقال رأيت بالصدفة مقالا ل د . يوسف زيدان يتحدث بإحباط عن الوضع القائم كانت المفاجأة في نهاية المقال تنتظرني لتقول لي أنظر
أحد فرسان الكلمة الحقيقيين يرمي سيفه ودرعه ويترجل عن فرسه ويترك ساحة المعركة ويذهب لداره طواعية تحت تأثير نفس الحالة ونفس السؤال
بصراحة رأيت ورأى غيري أنه قرار جانبه الصواب
مما جعلني أراجع قراري
أضف إلى ذلك أن هناك كلام كثير سأموت كمدا إن لم أكتبه
أنا لا أكتب مقالاتي مسبقا -أكتب لكم الواحدة صباح الجمعة- لكني مثلا أحلم بالمقال السنوي والمقال رقم مائة
لذا سآخذ بنصيحة الراحل أمل دنقل عندما قال :
" وأغرس السيف في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم "
مقالي على الأرجح يقرأه بإهتمام عشرة أشخاص فقط لكني سأكتب إلى أن يجيب العدم
* * * * * * * * *
أعاني من مشكلة حقيقية تتعلق بحاجتي-كشخص مرتب- لترتيب الأفكار
المشكلة تكمن في أنني أرى أحداثا مترابطة قد لا يراها غيري ولا أستطيع إظهار الرابط بسهولة حتى بعد ترتيت الأفكار
تأمل معي
حدث رقم 1
د . هشام قنديل يأمر برد قيمة التذاكر لركاب عربتين في القطار المتجه للإسكندرية -والذي كان يستقله سيادته- نظرا لتعطل التكييف فيهما مع إحالة فني الصيانة للتحقيق
ذكرني هذا بوزير سابق للنقل في نظام سابق استقل قطار النوم من محطة الجيزة لمحطة رمسيس لتفقد مستوى الخدمة وأحال العمال للتحقيق نظرا لعدم وجود مناديل ورقية في دورات المياه
لقد قضيت أعواما كثر استخدم قطارات الهيئة وأذكر أنها مرات معدودة فقط التي لم يتعطل فيها التكييف وبالطبع لايوجد مناديل
ولم أحصل على ثمن التذكرة في أي مرة
وحالة القطارات يرثى لها لكن لا أحد يلتفت
فقط تصادف هذه المرة أن السيد رئيس الوزراء استقل عربة تكييفها معطل
* * * * * * * *
حدث رقم 2
وزير الصحة في زيارة مفاجئة لمستشفى صاحب مريض في الإستقبال وانتظر بجواره 8 دقائق حتى أتاه الطبيب فاستنتج أن سبب إعتداء المواطنين على المستشفيات هو إهمال الأطباء
ياحلاوة
* * * * * * * * *
قد ترى أن المشهدان لا تربطهما أي علاقة ، لكن أنا أراهما شديدي الترابط
مازال السادة المسؤلين في بلدنا المصون ينظرون لمشاكلنا نظرة شديدة السطحية في حين أنها بعمق الدولة العميقة التي صدعونا بوجودها
إذا كنا نتحدث عن الدولة العميقة فلماذا ننظر لمشاكل من المفترض أنها من مخلفاتها بهذه السطحية الشديدة
مجرد تساؤل
* * * * * * * *
بعد مقال الأسبوع الماضي إنهالت رسائل من السادة القراء يحكي كل منهم تجربته المريرة مع وزارة الصحة معظم الرسائل نجا اصحابها بمعجزة وهناك رسالة أو اثنين انتظرت أن يقول لي صاحبها في نهايتها
(بس وبعدين مت)
هذه النهاية الطبيعية في مستشفياتنا
ذكرني هذا على الفور بمقال كتبه الكاتب الشاب محمد فتحي وعدل عن نشره لأنه رآه شخصيا زيادة عن اللزوم ثم نشره د . أحمد خالد توفيق لأنه رآه يمثل قطعة فنية من أدبيات الرعب
بإختصار المقال يحكي عن أخت زوجة الكاتب كانت تعبر الشارع فصدمتها سيارة ونقلت للمستشفى بين قوسين الحكومي
بس
وعينك ماتشوف إلا النور
أضاعوا ساعة كاملة في البحث عن طبيب وكأن المستشفى بها سباكين مثلا
ثم جاء الطبيب ليخبرهم بإكتشافه العظيم
(دي محتاجة أشعة)
لا ياراجل
بجد
وأضاعوا ساعة أخرى في محاولة إجراء أشعة وساعة أخرى في سباب وشتائم وخناق مش فاهم على إيه
ثم نقلوها لمستشفى خاص ليكتشفوا ان حالتها خطيرة جدا وهناك أنقذوها بمعجزة
في نهاية المقال يقول د . أحمد الدرس المستفاد من هذا المقال هو
من يصاب في حادث سيارة وهو لا يستطيع السباب وليس له أقارب مهمين أوليس لديه القدرة على دفع تكاليف مستشفى خاص فهو يمزح وغير جاد بكل تأكيد .
السطر التالي يحمل الحقيقة كاملة
نحن عراة تماما
منذ أسبوعين وانا أفكر في مصيري لو قررت الأقدار أن أدخل مستشفى حكومي
مازلنا عراة حتى بعد -مجازا- الثورة
وأعتقد أننا سنظل كذلك مادمنا نفكر ونعالج المشكلات العميقة بهذه السطحية
كنت أقرأ مقالا منذ يومين للأستاذ حسن المستكاوي كان يتحدث عن مشكلة ما لا أذكرها الآن لكنه أوحى لي بطريقة ما بسبب المشكلة التي أتحدث عنها الآن فنظرت لأعلى لأقرأ العنوان لأني لم ألحظه
فوجدته يقول
"النعامة لاتدفن رأسها في الرمال"
كنا نظنها تفعل كذلك إذا شعرت بالخطر وكنا ومازلنا نقلدها للأسف
لكن حتى النعامة لا تدفن رأسها في الرمال نحن فقط من يفعل ذلك
دمتم في حفظ الله
.
.
.
أحمد حلمي
البحيرة
31/8/2012

0 التعليقات:

إرسال تعليق