كتاب أتمنى أن أراه يوما ما

لا أعرف كيف تُكتب تنهيدة الارتياح بحروف عربية , لكن هذا ما أود فعله الآن , بعد شهور من ( العك ) السياسي أعود إلى بيتي الأول ,

أرجع للطريق الذي حدت عنه اضطراريا وظننت أنني تهت هناك ,

أعود لأفعل ما أجيد فعله حقا ,

لمن لا يعرف ,

هذه سلسلة " كتاب قرأته " تقوم على مبدأ أن الكتابة عن كتاب هي عالم رائع تنقل إليه قارئك الذي لم يحظ - بعد - بفرصة قراءة كتاب قيم آخر .



لكن الأمر اليوم يختلف ,



هناك عالم رائع صنعه أحدهم بكتاباته دون أن ير كتابه النور , أو تتلمسه الأيدي ,



هناك جمال لازال يجهل وجوده كثيرون ,



سنحكي اليوم عن مملكة القصة القصيرة التي شيدتها د . ريهام مبارك بقلمها الرشيق ,



أظن أن هذا أولى ,



صرنا نقف على أرض صلبة الآن ,



رجاءا , اربطوا الاحزمة , فرحلتنا فضائية .



* * * *

لمن لا يعرفها , د . ريهام طبيبة إمتياز قناوية وعضو نادي أدب طب أسيوط لأعوام ثم أمين للنادي لعام ٢٠١١ ,

عندما قرأت لها للمرة الأولى شعرت أن هناك شئ مختلف ,

الحقيقة أن كل شئ وقتها كان مختلفا ,



القصة الأولى كانت بعنوان " أنياب " والتي ليس لها وجود الآن إلا في ذاكرتي كانت تحمل بوادر تجديد في إختيار المواضيع والأبطال وتوظيف المفردات وطرق السرد ,

لكن ما حدث بعد ذلك كان قفزات إلى الأمام لم تسمح للمتابعين أمثالي بالتقاط أنفاسهم وإداراك مايحدث .



هذه محاولة بائسة للحاق بالركب الطائر واستجلاء أهم ما يميز كتاباتها .


* * * *



الإلتقاط



الإلتقاط هو البذرة الاولى للعمل القصصي , الركن الخفي الذي يغفله الكثيرون ,

وهو بالمناسبة ما يمنح العمل القصصي صدقا وواقعية ,

هو ما يجعلك تقرأ العمل وكأنك تراه وتسمعه وتتلمسه ,

ما وجدته - فوق ذلك - في كتابات تلك المبدعة أن تعريف الإلتقاط ليس فقط أن ترى مشهدا فيوحي لك بكتابة عمل أدبي أكثر صدقا وواقعية ,

بل أن تكتب عملا يبدوا من واقعيته أنه ملتقطا ,


في قصتها التي تحمل عنوان " نسج " تحكي عن راكب قطار يبادل جارة مقعده حوارا مثاليا عن شخصيته التي ابتكرها لتوه , وهو المشهد الذي مر بالكثيرين لكنه ما استوقف احدهم ,

أظن أن هذا أول ما يميزها .





* * * *



الاستهلال





" ﺗﺆﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﺑﺪﺍﺧﻠﻨﺎ ﺻﻮﺗﺎﻥ .. ﻭﺃﻥ ﺣﺮﺑًﺎ ﺿﺮﻭﺱ ﺗﺪﻭﺭ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺩﻭﻣًﺎ .. ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ .. ﻭ ﻳﻌﻠﻮ .. ﻭﻳﻐﻠﺐ , ﻭﺃﻧﻪُ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﺎ ﻃﻴﺐٌ .. ﻓﻸ‌ﻥ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺑﺪﺍﺧﻠﻪ ﺃﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺐ ﺃﻣﺮﻩ , ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ . ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﺮﻫﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻮﺗﻴﻦ ﺑﺪﺍﺧﻠﻬﺎ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻌﻠﻮ ﻭﺍﻟﺤﺪﺓ , ﻓﻼ‌ ﺗﺴﻤﻊُ ﺇﻻ‌ ﺿﺠﻴﺠًﺎ ؛ ﺑﺴﺒﺒﻪ .. ﻻ‌ ﺗﺴﻤﻊ ﺻﻮﺕ ﻧﻔﺴﻬﺎ .

"



مطلع قصة " لا أهتم "



الاستهلال عند د . ريهام يمثل حرفيا أرضا شديدة الانحدار , ما أن تضع قدمك حتى تجد نفسك في منتصف القصة ممسكا بكل الخيوط دون أن تدري , تُعرف الزمان والمكان وملامح الابطال بحرفية شديدة ودون اسهاب او تطويل او اهدار للحروف ,

تعرف جيدا كيف تجذب اهتمامك وتمسك بتلابيب عقلك بكلمات قليلة فلا تتركها الا بعد ان تتورط تماما في الاحداث فتشعر أنك تنتمي بطريقة أو بأخرى للحدث والابطال فتمضي مدفوعا بالقصور الذاتي لتكمل انت ما بدأته حتى النهاية .

* * * *

السرد والانتقال والحذف


أوسكار أفضل جمل سردية - إن كان هناك شئ كهذا - تذهب كل عام لقصصها دون منازع ,

هذا ما يجعل ذهنك حاضرا ممسكا بكل خيوط الاحداث طوال الوقت ,

غالبا ما تخلو اعمالها من لحظات الشرود التي تنجم عن انحراف القلم لا إراديا عند الكتابة والتي تجعلك تتسائل عن سبب ذكر تلك الجملة أو ماهية وصف ذاك المشهد , كل شئ موضوع بمقدار ليؤدي دورا مرسوما له بدقة ,

الجديد هنا هو العبقرية في ملء الفراغات باستخدام مقاطع غنائية بحيث تنصهر بين الاحداث فلا تتخيل القصة بدونها اصلا ,
" قمرية " تمثل قمة النضج السردي الذي احدثكم عنه ,

فيما يخص الانتقال

الانتقال الناعم بين المشاهد هو الشئ الذي لا تشعر بوجوده الا إن غاب ,

في قصة " كوب مكسور " وأنا أضعها في قمة الهرم بالمناسبة تنتقل القصة بين الزوج والزوجة والاكواب المكسورة على طول فترة زمنية ليست بالقصيرة دون أن تشعر أنت بأي ارتباك أو اختلال نتيجة الانتقال من مشهد لآخر ,

يحضرني أيضا " حكايا الزرزور الاخضر " والتي تتحرك فيها القصة بين ثلاثة أجيال عمرية متعاقبة في المساحة المحدودة للقصة القصيرة ودون أن يؤثر ذلك على تماسك بنيانها .


الحذف



" ﺟﺎﺀ ﺇﺟﺎﺯﺗﻪ ﺍﻟﻤﻌﻬﻮﺩﺓ.. ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻨﺸﻖ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﻄﻴﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺩﺍﺭﻩ ﻛﻤﺎ ﺍﻋﺘﺎﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﻔﻌﻞ ﻟﺘﺮﻃﺐ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ..



ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻭﺟﺪﻩ ﻣﻈﻠﻤﺎ..



ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ..



ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﺠﺪﺍﻥ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻧﺤﻮ ﻃﺒﻴﺐ ﻣﺸﻬﻮﺭ.. ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﻣﺰﺩﺣﻤﺔ ..ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺍﻟﺤﺸﺮ ..،ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺘﺨﺒﻄﻮﻥ .. ﻓﺄﻣﺴﻚ ﻳﺪﻫﺎ .. ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﺃﻧﻪ ﻓﻌﻞ ..،



ﺃﺩﺭﻙ ﺫﻟﻚ ﺣﻴﻦ ﻭﺻﻼ‌ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ .. ﻓﺪﻕ ﻗﻠﺒﻪ ( ﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎ) ﻭﺃﻓﻠﺖ ﻳﺪﻩ .. ﻓﺎﺑﺘﺴﻤﺖ ..



ﻭﺭﻓﻌﺖ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻗﺎﻟﺖ ..: "ﻓﻠﻨﻌﺪ"



من قصة " حوار "



د . ريهام لديها القدرة على حذف وتجاهل كل التفاصيل الغير مهمة انتصارا لمبدأ التكثيف ودون أن يخل ذلك بالبناء أو ينتقص من المعنى فتصل إلى ماتنشده من الروعة بأقل الألفاظ الممكنة , تاركة لعقلك الذي صار يعمل بكامل طاقته تخيل الباقي واستكماله ,



هذا ليس بالشئ اليسير

* * * *

الابطال


إن استمالة القارئ وإشراكه وتوريطه في العمل الادبي ,
وتقريب شخصية البطل وملامحه ونوازعه وميوله من القارئ هو ما يحدد مدى نجاح العمل الأدبي ,
وهو شئ يمكن قياس مداه في حالة الابطال البشريين , لكن ماذا عن الاعمال التي يصير البطل فيها قطا كما في قصة أنياب او جمادا كما في كوب مكسور أو كيانا طيفيا لا وجود مادي له كما في ظل ,
هذا شئ يسترعي الانتباه ويستدعي التوقف والتأمل ,
التجديد في اختيار المواضيع ونوعية الابطال وكيفية تشخيص الجمادات وتجسيد الأشياء المعنوية وجعلها تتحرك وتحكي وتتفاعل وتجتذب التعاطف .

* * * *

الشئ الاخير الذي لايمكن إغفاله هو التعابير والتراكيب الريهامية والمعاني التي ظلت حائرة في عقولنا لفترات طويلة الى أن رست على بر كلماتها في سلام هانئة ,

تأملوا معي


" ﺷﺤﺬ ﺣﻨﺠﺮﺗﻪ ﻟﻴﻠﻘﻲ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ ﺷﻌﺮﻩ ؛ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺒﻴﺒﺔ .. ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻃﻦ .. ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ؛ ﻛﻠﻬﻦ ﻻ‌ ﻳﻤﻠﻜﻬﻦ .. ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﺗﺼﻔﻖ "

من قصة " إرتماء "

" ﺗﻤﺎﻭﺝ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻳﻤﻴﺪ ﺑﻤﺮﻛﺐ ﻓﺮﺷﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺋﻬﺔ ﻓﻴﻪ ﻭﻻ‌ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺮًﺍ "

من قصة " بطل "


" ﻓﺎﻟﺘﺮﺍﺏ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻴﻘﻮﻝ ﺃﻧﺎ ﺃﻣﺮ "

من قصة " سحر "


" ﺍﻟﻈﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﺩﻑﺀًﺍ ﻭ ﺃﻣﺎﻧًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ "

من قصة " ظل "


" ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻣﺎ ﻇﻦ ﺃﻥ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ ﺑﻤﺸﻔﻰ .. ﺗﺘﺸﺒﺚ ﺑﻪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺗﻤﺴﺢ ﺩﻣﻌﻬﺎ ﺑﻤﻨﺪﻳﻞ ﻭﺭﺩﻱ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ، ﻓﻴﻤﻀﻲ .. ﺯﺍﻫﺪﺍ ، ﻟﺘﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ .. ﻟﻐﻴﺮﻩ "

من قصة " علاقة "


" ﺃﻥ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻫﻨﻴﻬﺔ ؛ ﻟﺘﺘﻨﻔﺲ .. ﻫﻲ ﺭﻏﺒﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﺃﻭ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ "

من قصة " قمرية "


" ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ ﺍﻟﻤﻬﺸﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻸ‌ ﺍﻟﺪﺭﺝ ﺍﻵ‌ﻥ ﺃﻗﺮﺏ ﻟﻲ ﻣﻨﻪ .. ﺇﻧﻪ ﻣﺜﻠﻲ ... ﺷﻔﺎﻑ .. ﻭﺣﺰﻳﻦٌ .. ﻭ ﻧﺎﻗﺺ .. ﺃﻋﺰﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺝ ﻟﻜﻴﻼ‌ ﻳﺠﺮﺡ ﺃﺣﺪًﺍ , ﻭﺃﻋﺰﻝ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﺐ "

من قصة " كوب مكسور "


" ﺇﻧﻪ ﺍﻟﺤﺐ .. ﻫﻮ ﻣﺎﻟﻢ ﺗﺠﺮﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻵ‌ﻥ . ﻟﻴﺲ ﺑﺮﻳﻘًﺎ .. ﻗﺪﺭ .. ﺑﺮﻕٍ ، ﻳﺄﺗﻲ ﺧﺎﻃﻔًﺎ .. ﻭﻻ‌ ﻳﺘﺮﻙ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ "

من قصة " لا أهتم "

كانت هذه مقاطع من أعمالها لا تحتاج روعتها تعليقا مني , ولا يخفى على القارئ مافيها من جمال .

* * * *

كانت هذه محاولة للخروج عن المألوف وإلقاء بقعة من الضوء على جانب جميل من العالم مازال يجهل وجوده كثيرون , وإن كنت أتمنى أن أراه في كتاب يوما ما ,

ان كنت عزيزي القارئ لا تشاركني الرأي فهو لقصور مني ,


بقى الآن أن نجد طريقة لنشر المقال فلا تراه د . ريهام فأنا لا أضمن عواقب ذلك ,

كل عام وانتم بخير



يمكنكم مطالعة معظم الاعمال التي ذكرتها من الروابط الملحقة

كوب مكسور

https://m.facebook.com/groups/199463060724?view=doc&id=10152006649060725&refid=18


لا أهتم

https://m.facebook.com/groups/199463060724?view=doc&id=10151930315400725&refid=18


قمرية

https://m.facebook.com/groups/199463060724?view=doc&id=10151431352995725&refid=18


قصة

https://m.facebook.com/groups/199463060724?view=doc&id=10151065157075725&refid=18


ظل
https://m.facebook.com/groups/199463060724?view=doc&id=10152744481395725&refid=18


صدى

https://m.facebook.com/groups/199463060724?view=doc&id=10152473898355725&refid=18


سحر

https://m.facebook.com/groups/199463060724?view=doc&id=10152284946225725&refid=18

بطل

https://m.facebook.com/groups/199463060724?view=doc&id=10150900040105725&refid=18

حوار

https://m.facebook.com/groups/199463060724?view=doc&id=10150603874855725&refid=18


دمتم في حفظ الله


أحمد حلمي

البحيرة

12 / 7 / 2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق